ضغوط نتنياهو تؤجل صفقة القرن
في الوقت الذي يتأهب فيه العالم لاكتشاف خطة “صفقة القرن” من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع المقبل لإنهاء الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين يبدو أن الإعلان عن مسودة الخطة الأميركية التي ترفضها السلطة الفلسطينية قد تأجّل بفعل التطورات الداخلية في إسرائيل عقب استقالة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان أو بسبب مزيد مراقبة وتفحّص الإدارة الأميركية في ردود فعل بعض العواصم العربية قبل طرح الخطة التي عكف مستشارو ترامب على إعدادها منذ قرابة عامين.
بعدما عقدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعا في البيت الأبيض لمناقشة مسودة صفقة القرن لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أن يتم الإعلان عن ملامحها بصفة رسمية قريبا، يبدو أن واشنطن مازالت بعد غير جاهزة لنشر الصفقة وفحواها.
وتأتي هذه التوقعات على خلفية ما تم كشفه مؤخرا من أن إدارة دونالد ترامب غير جاهزة للإعلان عما يسمى “صفقة القرن”، وأن أمر ذلك يحتاج إلى المزيد من المشاورات بعد الاجتماع بكبار المسؤولين المساهمين في إعداد مسودة الصفقة.
وتفيد المعطيات الأولية التي أصدرها موقع “أكسيوس الإخباري الأميركي” أن الاجتماع الذي عقد الثلاثاء ضم إلى جانب الرئيس ترامب كبار مستشاريه للأمن القومي والسياسة الخارجية وفريقه لعملية السلام، صهره جاريد كوشنر ومبعوثه للمفاوضات الدولية جيسون غرينبلات وسفيره لدى إسرائيل ديفيد فريدمان (الذي وصل العاصمة الأميركية واشنطن قادما من إسرائيل)، إضافة إلى مستشار الأمن القومي جون بولتون.
ويهدف الاجتماع إلى مناقشة كل تفاصيل خطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي عمل على صياغتها فريق ترامب لقرابة عامين وتحديد أفضل وقت لإطلاقها.
وخلال لقاء جمع ترامب، أواخر سبتمبر الماضي، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على هامش الدورة الـ73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أفاد الرئيس الأميركي بأن البيت الأبيض مصمم على نشر خطة واشنطن الشاملة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في غضون شهرين أو أربعة أشهر.
وتدرس الإدارة الأميركية خياراتها سواء في ما يتعلق بمضمون الصفقة أو بشأن شكل وتوقيت الإعلان عنها خاصة في ظل حصول العديد من المتغيرات التي تخص الشأن الداخلي الإسرائيلي عقب استقالة ليبرمان أو في ما يخص الفلسطينيين إثر عقد جولة جديدة من حوار المصالحة الفلسطينية برعاية القاهرة، وسط تباين الآراء حول مصيرها.
وأخذت الإدارة الأميركية عبر قرارها بتأجيل الإعلان عن صفقة القرن بعين الاعتبار الأزمة الحكومية الحالية في إسرائيل منذ استقالة وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان في 14 نوفمبر الحالي، علاوة على الضجيج الدولي المواكب لجريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
كما تشير العديد من المعطيات إلى أن من أسباب عدم جاهزية الإدارة الأميركية للإعلان عن الصفقة ما يتعلق أيضا بانكبابها على دراسة التقارير الواردة من العواصم العربية بشأن مواقفها حيال تلك الصفقة وأعراضها وتداعياتها على القضية الفلسطينية.
وكشفت بعض المعلومات الواردة من واشنطن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سعى بمؤازرة تيارات الضغط المناصرة لإسرائيل في الولايات المتحدة (مثل إيباك) إلى ممارسة ضغوط على إدارة الرئيس ترامب من أجل تأخير الإعلان عن صفقة القرن.
وتعتبر إسرائيل أن الوقت غير مناسب لذلك، وأن الإعلان عن الصفقة قد يستفز المحيط العربي ويعطل مساعي الانفتاح على المنطقة، حيث مثّلت زيارة نتنياهو إلى مسقط عاصمة سلطنة عمان والاجتماع مع السلطان قابوس بن سعيد أحد علاماتها.
أما بشأن الأزمة الداخلية الفلسطينية، فيعتبر مراقبون أن الإعلان عن صفقة القرن قد يطيح بالمفاوضات الجارية حاليا تحت الرعاية المصرية لإرساء هدنة طويلة الأمد مع حركة حماس في قطاع غزة.
وتشير العديد من المعطيات إلى أن حدث الإعلان المحتمل عن هذه الصفقة في هذا الوقت، سينسحب بشكل سلبي على المفاوضات الجارية، مما سيؤدي إلى تحريض الرأي العام الإسرائيلي كما البيئة السياسية الفلسطينية ضد أي توافقات يجري التداول بشأنها في قطاع غزة.
وينقل عن مصادر دبلوماسية عربية أن الرأي العام العربي عامة والفلسطيني خاصة يتعاطى مع أمر “صفقة القرن” بشكل سلبي ويعتبر أن أعراضها الأميركية كانت استفزازية.
ويعود الرفض العربي والفلسطيني إلى ما سببه قرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها من صدمة كبرى تضاف إلى الاستياء من مجموعة من القرارات اتخذتها واشنطن نصرة لإسرائيل كالانسحاب من منظمة اليونيسكو وقطع المساعدات المالية عن الأونروا والسلطة الفلسطينية وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
هذا الرفض ترجمه نبيل شعث، مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباس للشؤون الخارجية والعلاقات الدولية، الذي قال إن “صفقة القرن لن تقود فلسطين نحو السلام”، مضيفًا أن “اقتراح ترامب غير مقبول، وأيًا كان ما سيقوله لن يؤدي إلى السلام”.
وأضاف شعث “إن صفقة القرن المُقترحة من قبل واشنطن ليس لديها ما تقدمه للفلسطينيين”، مؤكدًا “لقد أصدر بالفعل ما يريد بإعلان القُدس عاصمة لإسرائيل وقطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين”.
وتابع “لقد رفضنا الخطة المقترحة وقلنا إننا لن نقبل أي اقتراح من ترامب أو دور الولايات المتحدة بصفتها المشارك الوحيد في عملية السلام”.
وقال شعث في سياق انتقاده لتصورات إدارة ترامب حيال القضية الفلسطينية “ترامب قال إنه لا يقبل بوجود اللاجئين الفلسطينيين وقد أوقف تمويلهم. كما أعلن أنه يرفض دولة فلسطينية، وبالتالي لا نتوقع أي شيء منه بشأن هذه الصفقة”.
وأفرز الحديث عن إرجاء الولايات المتحدة الإعلان عن صفقة القرن تباينا في التسريبات الأميركية بين روايتين، حيث تؤكد الأولى أن واشنطن عازمة على نشر خطتها بصفتها أمرا واقعا سيطلب من الجميع التعامل معه، لا سيما السلطة الفلسطينية في رام الله.
أما الرواية الثانية فتتحدث عن تمهّل في إطلاق الخطة بانتظار اكتمال المشاورات مع الأطراف المعنية، لا سيما في المنطقة العربية.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أعلن مؤخرا عدم علمه بوجود أي خطة رسمية تحمل اسم “صفقة القرن” معتبرا أن ذلك لا يعدو حتى الآن عن كونه تسريبات يتداولها الإعلام في العالم. وأضاف أنه لا توجد معلومات يمكن قولها حول “صفقة القرن”، مشيرا إلى أن الموقف المصري يتبنى إقامة دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع الدولة الإسرائيلية، في ما يخص القضية الفلسطينية.
ويقول مراقبون إن العواصم العربية التي استقبلت فريق “الصفقة” الأميركي في الأشهر الأخيرة استمعت إلى أسئلة ووجهات نظر طرحها الطرف الأميركي، كما أطلعت الوفود الأميركية إلى وجهة نظر هذه العواصم التي لم تتجاوز سقف المبادرة العربية للسلام المعلنة في القمة العربية في بيروت عام 2002.
ويرى متابعون لملف التسوية الإسرائيلية الفلسطينية، أن الوجه المعلن لتلك الصفقة هو ذلك الأميركي الذي أعلنه الرئيس ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبقرار نقل السفارة الأميركية إليها.
وهذا الجانب لا يمكن أن يشكّل مدخلا وحيدا لحل مقبول للقضية الفلسطينية، لا سيما وأن هذه الإجراءات قد تم رفضها وإدانتها من قبل الدول العربية كما الإسلامية، كما رفضتها دول الاتحاد الأوروبي ولم تستجب لمفاعيلها أكثرية دول العالم.
أما بشأن الرؤية الأوروبية لصفقة القرن فهي تعتقد أنه لا يمكن التسويق لصفقة القرن بمعزل عن الظروف الجيوستراتيجية التي تمر بها المنطقة، معتبرة أن الحملة الأميركية ضد إيران، لا يمكن أن تتسق مع صفقة تتناول مسألة رئيسية في الشرق الأوسط كانت وما زالت من المحددات الأساسية للسلم والحرب في المنطقة.