صورة تعبيرية
يخشى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من تفكير رفيق دربه السياسي عبدالله غول في الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المبكرة، وهو ما قد يمثل انهيارا لاستثمار طويل الأمد عوّل عليه أردوغان للتحوّل إلى حاكم مطلق وفق نظام رئاسي يمنحه صلاحيات غير مسبوقة.
وتبقي المعارضة على غول كخيار وارد يمكن أن يوحّد صفوفها، خصوصا في حالة موافقة ميرال أكشينار، رئيسة حزب الخير التركي الجديد، على التنازل عن الترشح أمام أردوغان لصالح غول.
لكنّ مراقبين يعتقدون أن يظل الأمر مستبعدا في ظل شخصية غول المحافظة التي تبحث دائما عن “ضمانات” قبل اتخاذ خطوات سياسية كبرى. وفي هذه الحالة، تصب الضمانات في صالح أردوغان، الذي لم يكن ليعلن عن إجراء انتخابات في 24 يونيو المقبل دون أن يكون ضامنا للفوز أولا.
وتشير توافقات سياسية إلى عدم نية أكشينار التراجع، إذ اتفقت مع زعيم الحزب الجمهوري كمال قليشدار أوغلو على استقالة 15 عضوا في البرلمان من الجمهوري، وانضمامهم إلى حزب الخير الجديد، حتى يحصل الحزب الجديد على عتبة تؤهله لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. ويشترط على أي حزب أن يكون لديه 20 برلمانيا كي يسمح له بخوض الانتخابات.
واستثمر أردوغان طويلا في هذه الانتخابات، التي تأتي قبل أكثر من عام على موعدها المقرر مسبقا، ضمن تعديلات دستورية وافق عليها الأتراك في استفتاء شعبي أجري في أبريل 2017. وهذه هي المرة الأولى التي تجرى فيها انتخابات مبكرة في تركيا منذ نحو 10 أعوام.
ويتمتع غول بشعبية واسعة، إذ ينظر إليه باعتباره رئيسا سابقا مارس مهامه باتزان وحيادية كبيرة بين كل التيارات السياسية في تركيا. ولا يمثل ذلك قلقا لأردوغان، بقدر قدرة غول على إحداث انقسام في حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ويقول مراقبون للشأن التركي إن إرث غول الإسلامي لا يسمح له بتحدي أردوغان على شرذمة المعسكر الإسلامي في تركيا، كما أن غول يحتاج إلى أصوات الأكراد من أجل التغلب على أردوغان. ومن الصعب أن يحصل غول على دعم الأحزاب الكردية، وعلى رأسها حزب الشعوب الديمقراطي، مجانا، كما يقول مقربون من غول إنه يرفض تحول الأكراد إلى قاعدته المرجحة في أي مواجهة محتملة مع أردوغان.
وإذا قرر غول الترشح، فسيصب اعتماده على حزبي الشعب الجمهوري والخير الجديد، بالإضافة إلى حزب السعادة المعارض بزعامة تيميل كرم أوغلو، الذي يشهد صعودا متسارعا في صفوف الناخبين المحافظين.
لكنّ مصدرا تركيا مطلعا أبلغ “العرب” بأن ثمة ثغرة دستورية مهمة قد يلجأ إليها غول لزيادة فرصته في الترشح والفوز. وتقوم على إمكانية تعيين عدد غير محدد لنواب الرئيس بصلاحيات تنفيذية مهمة، وهو الأمر الذي يتيح لغول عرض هذه المناصب على أهم التكتلات الحزبية المعارضة وعلى الأكراد مما يقلب المعادلة لصالحه.
ولا يخفي مقربون من أردوغان أن علاقات غول العربية تشكل قلقا للرئيس التركي، خصوصا بعد الحفاوة الكبيرة التي استقبل بها في السعودية خلال زيارة خاصة قام بها في سبتمبر الماضي.
وقال مصدر تركي معارض لـ”العرب”، “لن أتفاجأ لو علمت أن أردوغان هو من يقف وراء شائعات ترشح غول، من أجل إجبار المعارضة في النهاية على حصر خياراتها بين مرشحين إسلاميين. لو أصبح الأمر كذلك فسأختار أردوغان”.
وأضاف “أردوغان رئيس براغماتي مستعد لفعل أي شيء من أجل البقاء في السلطة، بالإضافة إلى أنه ما زال لديه ما يقدمه، لكن على الجانب الآخر غول إسلامي أيديولوجي ولا يملك مشروعا حقيقيا”.
لكن يبدو أيضا أن مشروع أردوغان يقترب من نهايته، فسعر الليرة التركية تراجع إلى أكثر من 4.1 مقابل الدولار، وهو مستوى غير مسبوق، كما يعاني البنك المركزي من تراجع مخزون العملة الأجنبية نتيجة اختلال ميزان المدفوعات وهروب المستثمرين، وهو ما يضغط على مالية الدولة.
وقال أرغون باباهان رئيس القسم التركي في موقع أحوال تركية، ورئيس التحرير الأسبق لصحيفة صباح واسعة الانتشار، “الاقتصاد عقدة كبيرة بالنسبة لأردوغان وقلق حقيقي للمستثمرين والصناعيين ورجال الأعمال. غول هو الخيار الأسلم بالنسبة لهم”.
علاقات عربية تقلق أردوغان
كما تسببت حملة يقودها أردوغان منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016 في اعتقال أكثر من 50 ألفا، وخسارة أكثر من 400 ألف تركي وظائفهم في الجيش والقطاعين الحكومي والخاص.
ويقول مراقبون إن اللجوء إلى إجراء انتخابات مبكرة يعكس انعدام الخيارات أمام أردوغان، كما يظهر قلقا كبيرا من إمكانية خسارته للانتخابات، إذا انتظر حلول الموعد الأصلي لإجرائها العام المقبل.
ويمثل اختيار توقيت إجراء الانتخابات المبكرة رغبة من قبل أردوغان لحصد ثمار حملة عسكرية ناجحة في شمال سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، واستعجالا من أجل أخذ المعارضة على حين غرة، وعدم منحها الوقت الكافي للتحضير لخوضها.
وكل هذه العوامل تمثل مخاطرة بالنسبة لغول إذا ما قرر خوض الانتخابات، وعقبات من الممكن أن تؤدي إلى إنهاء مستقبله السياسي إذا خسرها.
ويعكف مقربون من غول على إقناعه الآن بالترشح، لكن مصادر قالت إن الرئيس السابق لم يحسم خياره بعد.
وقال المصدر المعارض لـ”العرب”، “ما زلت أعتقد أن غول لن يخوض هذه الانتخابات، لكن سيكون أفضل إذا خرج لتحدي أردوغان عبر التمسك بالنظام البرلماني ورفض التحول إلى حكم رئاسي مطلق”.
وقال مصدر آخر في تركيا، رفض الكشف عن هويته، “إذا فعل غول ذلك فسيقلص أي فرص أمام أكشينار أو أي مرشح آخر، وقد يتحول إلى زعيم وطني يحظى بالإجماع″