خروج مثير للجدل
في إطار حملة عسكرية واسعة في غوطة دمشق الشرقية، وبعد اتفاقي إجلاء مع فصيلي حركة أحرار الشام وفيلق الرحمن، سيطرت قوات النظام على 95 بالمئة من الغوطة الشرقية، فيما بقيت مدينة دوما وحدها تحت سيطرة فصيل جيش الإسلام.
وكانت الغوطة الشرقية أكبر معقل للمعارضة قرب دمشق، لكن الفصائل اضطرت تباعا إلى الاستسلام بعد سلسلة هجمات عنيفة شنتها القوات الحكومية بدعم من روسيا.
وبدا جيش الإسلام أكثر تعنتا وأكد قادته مرارا أنهم يرفضون سياسة الإجلاء، باحثين عن تسوية تبقيهم في مدينة دوما. إلا أن القوات الحكومية وروسيا أصرتا على خروجهم على غرار المقاتلين الآخرين.
للضغط على جيش الإسلام، شنت قوات النظام السوري يومي الجمعة والسبت هجوما جويا وبريا، أسفر عن مقتل العشرات، بينهم أكثر من 40 شخصا اختناقا، وفق مسعفين وأطباء اتهموا قوات النظام بشن هجوم بالغازات السامة.
تركيا أرادت، قبل القبول بدخول جيش الإسلام إلى مناطق سيطرتها، تفكيك هذا الفصيل وإعادة بنائه مرة أخرى وفقا لعقيدة جديدة قائمة على الولاء الكامل لها
وانتهى التصعيد بإعلان دمشق الأحد عن اتفاق إجلاء سرعان ما بدأ تنفيذه. وخرجت بموجبه حتى الآن ثلاث دفعات تضم الآلاف من المقاتلين والمدنيين، باتجاه منطقة الباب في شمال البلاد.
وغادر قائد فصيل جيش الإسلام عصام بويضاني الغوطة الشرقية الأربعاء وسلم مقاتلوه كافة أسلحتهم الثقيلة من مدرعات ودبابات وراجمات صواريخ، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الخميس.
وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن إن “معظم قيادات جيش الإسلام من الصف الأول، وبينها عصام بويضاني، غادرت دوما فجر الأربعاء ووصلت إلى الشمال السوري مساء الأربعاء”.
وخرج بويضاني في الدفعة الثانية التي غادرت من مدينة دوما، والتي توقفت حافلاتها أكثر من 8 ساعات في ريف حلب الشمالي قبل أن تسمح لها القوات التركية بالعبور إلى مناطق سيطرة الفصائل الموالية لأنقرة، وفق المرصد. وانتشرت الشرطة العسكرية الروسية في دوما الخميس وفق اتفاق استسلام جيش الإسلام، على وقع نذر هجوم أميركي قريب.
مفاوضات مع الروس
كان فصيل جيش الإسلام يفاوض الروس على بنود الخروج من منطقة الغوطة الشرقية، وضد قرارين رافضين لمنحه مساحة مناورة كافية. فنظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كانت موسكو تفاوض جيش الإسلام نيابة عنه، ينظر إلى هذا الفصيل باعتباره أخطر فصائل المعارضة الإسلامية للنظام، إذ تمكن من السيطرة وفرض رؤيته على منطقة الغوطة الشرقية لدمشق منذ بدايات العام 2011.
لكن العملية العسكرية التي قام بها الجيش السوري، بدعم روسي، لم تترك خيارات أمام جيش الإسلام سوى القبول بشروط التهجير القسري.
وفي البداية، حيث كان جيش الإسلام يرفض تسليم أسلحته الثقيلة، رفضت إيران خروج عناصر التنظيم إلى منطقة القلمون الشرقي، حيث تتمركز فصائل أقل عددا وأضعف عسكريا، تابعة للجيش السوري الحر.
وتمحور الرفض الإيراني حول تخوفات بقيام الفصائل بتشكيل بؤرة جديدة للمعارضة قرب دمشق، وعلى الحدود مع لبنان، ومنطقة القلمون الغربي، التي يسيطر عليها حزب الله.
من المحتمل أن يشكل مقاتلو جيش الإسلام تنظيما جديدا يحمل اسما آخر ويتم إدماجهم ضمن الجيش الحر الذي تقاتل بدعم من الجيش التركي ضد قوات سوريا الديمقراطية
وكان ذلك يعني أن النظام السوري سيحتاج إلى القيام بعملية مشابهة لعملية الغوطة الشرقية، من حيث عدد القوات المشاركة واتساع نطاق العملية والكلفة، حتى يتمكن من تصفية هذا الجيش المحتمل شمالي شرق دمشق.
وكان الإيرانيون يصرّون على ترحيل عناصر الفصيل إلى محافظة إدلب، حيث تتمركز فصائل إسلامية أكثر تشددا، على رأسها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وأحرار الشام وفيلق الرحمن وغيرها. ولا يوجد تطابق أيديولوجي داخل جيش الإسلام مع هذه الفصائل، رغم التشابه الكبير الذي يظهر في العلن معها.
وأدى ذلك إلى تصاعد المخاوف في صفوف التنظيم من إمكانية اندلاع مواجهات مسلحة مع عناصر الفصائل الأخرى في إدلب. وفي نفس الوقت لا يعرف عناصر جيش الإسلام المنطقة جيدا، إذ ينتمي أغلبهم إلى دمشق ومحيطها، وهو ما سيشكل عقبة كبيرة في أي مواجهات مستقبلية محتملة مع قوات النظام.
لكن المشكلة الأكبر كانت تكمن في تركيا، التي رفضت طوال فترة المفاوضات، منح جيش الإسلام ملاذا آمنا في مناطق خاضعة لسيطرتها في شمال سوريا، كمدينتي جرابلس والباب.
وتقول مصادر إن تركيا اشترطت التفاوض على تسوية شاملة في وضع جيش الإسلام برمته. فالتنظيم كان يتبع ماليا وسياسيا السعودية، منذ اندلاع الحرب في سوريا قبل سبعة أعوام، ولطالما شكل تهديدا أخذه النظام السوري في الحسبان على العاصمة دمشق.
وكانت السعودية توظف جيش الإسلام بشكل استراتيجي، باعتباره أول فصيل من المتوقع أن يصل إلى دمشق، بعد سقوط النظام مباشرة، ويسيطر على المؤسسات السيادية ومبنى الإذاعة والتلفزيون والقصر الجمهوري ووحدات الجيش الرئيسية والأجهزة الأمنية.
ومثّلت هذه الخطة جوهر شرعية زهران علوش، قائد لواء الإسلام (الذي سيغير اسمه عام 2013 إلى جيش الإسلام)، حتى مقتله في غارة روسية عام 2015. وبعد ذلك تولى القيادة العسكرية لجيش الإسلام أبوهمام البويضاني، وأسندت القيادة السياسية لمحمد علوش، الذي أعاد تقديم جيش الإسلام كفصيل براغماتي منفتح عبر المشاركة في مسار أستانة ومفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة.
وشكّل ذلك هاجسا كبيرا بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد، حتى تدخّل القوات الروسية في الحرب، في سبتمبر 2015، وتغيير مسارها تماما.
وأرادت تركيا، قبل القبول بدخول جيش الإسلام إلى مناطق سيطرتها، تفكيك هذا الفصيل وإعادة بنائه مرة أخرى وفقا لعقيدة جديدة، قائمة على الولاء الكامل لتركيا، ووضع مصالحها على رأس أولويات القيادة الجديدة.
وتمت هذه المفاوضات فعليا، وتوصل الجانبان إلى اتفاق جانبي يقضي بإنهاء تبعية التنظيم للسعودية وانتقالها لتركيا. وظهر ذلك جليا في منع الفصائل المسيطرة على مدينة جرابلس للحافلات المقلة لمقاتلي جيش الإسلام هذا الأسبوع من الدخول إلى المدينة قبل تسليم أسلحتهم بالكامل.
وبذلك يكون اتفاق دوما مرحلة فاصلة في مسيرة جيش الإسلام، تنتهي فيها حقبة، حافظ فيها على هوية سياسية سعودية، وتبدأ بعدها حقبة جديدة بهوية جديدة تماما، تحت رعاية تركية.
ويقول خبراء في الشأن السوري إنه من المحتمل أن يشكل مقاتلو جيش الإسلام تنظيما جديدا يحمل اسما آخر، ويتم إدماجهم ضمن فصائل “الجيش الحر” التي تقاتل بدعم من الجيش التركي ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي، المصنفة إرهابية من قبل أنقرة.
اجتماعية وأيديولوجية
تم الإعلان عن تشكيل جيش الإسلام في عام 2013 عبر اتحاد أكثر من 45 فصيلا من الجيش الحر. وشارك في الكثير من العمليات العسكرية في مختلف المدن السورية، وخاصة في ريف دمشق حيث اتخذ من مدينة دوما منطلقا لعملياته العسكرية وتمكن من توسيع رقعة عملياته والسيطرة خلال فترة قصيرة على عدد كبير من المواقع الهامة للنظام من بينها كتيبة الدفاع الجوي في الغوطة الشرقية، والفوج 274 ورحبة إصلاح المركبات الثقيلة وكتيبة المستودعات وكتيبة البطاريات وكتيبة الإشارة والدفاع الجوي، قبل أن يضطر إلى الانسحاب منها.
من الناحية الاجتماعية والأيديولوجية، لا يختلف جيش الإسلام عن بقية الجماعات الإسلامية المتشددة التي ظهرت في ظل الفوضى التي عمّت البلاد منذ تحولت الانتفاضة الشعبية في 2011 إلى حرب دموية تدخلت فيها مختلف الجهات الدولية وحولت البلاد إلى حاضنة رئيسية لمختلف التنظيمات الإسلامية.
ويقول خبراء إن جيش الإسلام كان ينوي إقامة حكم ديني متشدد، وخطابه مشابه لخطاب وممارسات جبهة النصرة (نفس خطاب تنظيم القاعدة).
وعلى غرار السياسة التي فرضها تنظيم داعش في المناطق التي سيطر عليها في سوريا، عمل جيش الإسلام على سن قوانين متشددة خاصة وسيطرة على حياة أهالي المناطق التي تواجد بها وفرض عليهم نمط حياة متشدد، لم يعتد عليه السوريون حتى في المناطق المحافظة دينيا واجتماعيا.
ومن الممارسات التي أقدم عليها جيش الإسلام إصدار تعميم على المواطنين في الغوطة الشرقية يتوعد فيه بإغلاق قاعات الأفراح التي تقيم أعراسا مختلطة وتغريمهم ومحاسبة أصحاب العرس.
وتقدم عملية “مختطفي عدرا العمالية”، الذين اختطفهم جيش الإسلام في شهر يناير 2013 من منازلهم، صورة عن نموذج الحكم في زمن جيش الإسلام، الذي عمل على إيداع المختطفين سجنا سماه سجن “التوبة” والتهمة كانت الولاء لنظام الأسد. وكان التضييق شديدا على الأقليات الدينية.
ونقلت صحيفة “ذي تايمز″ البريطانية عن المعارض السوري أكرم طعمة، رئيس الحكومة المؤقتة السابق التابعة للمعارضة، قوله إن فصيل جيش الإسلام تسبب في إفساد اتفاق لإخلاء مدينة دوما بريف دمشق المحاصرة، قبل أن يتم استهدافها بهجوم كيمياوي.
وقال طعمة، “اتفقنا جميعا على أن يغادر الشباب وأن يبقى كبار السن. تأكدنا من سلامة الرجال ومن أن لن يتم تجنيدهم في جيش النظام إلا بعد عام واحد، وطلبنا ضمانات بعدم نهب المنطقة”. وتابع “لقد فقدنا كل شيء.. حيث اتخذ جيش الإسلام قرارا مغايرا للاتفاق الذي عقدناه.. عنادهم هو السبب في مأساة دوما”.
جيش الإسلام في درع الفرات
يقيم مقاتلون من جيش الإسلام مع عائلاتهم داخل مسجد خديجة الكبرى في مدينة الباب شمال حلب، بعد أن تم إجلاؤهم من مدينة دوما في الغوطة الشرقية، فيما قال محمد غوللو أوغلو، رئيس إدارة الطوارئ والكوارث الطبيعية التركية (أفاد)، إنّ 6 آلاف و89 مدنيا من مهجّري الغوطة الشرقية، تمّ إسكانهم في مناطق درع الفرات بريف محافظة حلب السورية.
وأوضح غوللو أوغلو أن المناطق التي تحررت من تنظيم داعش، تستوعب حاليا مليون و80 ألف سوري. وأضاف أنّه تمّ إجلاء 130 ألف شخص من الغوطة الشرقية حتّى يوم الخميس، وأنّ أفاد تبذل ما بوسعها من أجل تأمين مستلزماتهم في مناطق درع الفرات.