قمة تدفئة العلاقات وتجنب الحرب الباردة
يجتمع زعماء روسيا وتركيا وإيران، الأربعاء، في إسطنبول لرسم صورة جديدة لتوزيع مناطق النفوذ في سوريا، عقب إثبات سياسة “التبادل الاستراتيجي” التي مارستها الدول الثلاث في الغوطة الشرقية وعفرين فاعلية قصوى لخلق بيئة يصبح فيها الجميع رابحين، ولتعزيز الشرخ في العلاقات التركية الأميركية.
وستضع القمة، التي سيحضرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيراه التركي رجب طيب أردوغان والإيراني حسن روحاني، الأسس التي من المتوقع أن يناقشها بوتين في قمة منفصلة لم يحدّد موعدها بعد مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأعلن مسؤول رفيع في الكرملين، الاثنين، أن ترامب اقترح على بوتين عقد قمة في البيت الأبيض، خلال اتصال هاتفي بينهما الشهر الماضي، قبل طرد الولايات المتحدة 60 دبلوماسيا روسيا، تضامنا مع بريطانيا في حادثة تسميم العميل الروسي السابق سيرجي سكريبال.
وقال مستشار بوتين لشؤون السياسة الخارجية يوري يوشاكوف للصحافيين “عرض ترامب عقد اللقاء في البيت الأبيض في واشنطن”.
وفي 20 مارس اتصل ترامب ببوتين لتهنئته بإعادة انتخابه، وأبلغ الرئيس الأميركي الصحافيين بعد ذلك بأنهما “قد يلتقيان في مستقبل غير بعيد”.
وسيلتقي بوتين ترامب بينما يقف في موضع قوة، إذ تمكن للتو من حسم معركة دامية في غوطة دمشق الشرقية، وتجاهل القرار 2401 الصادر عن مجلس الأمن في فبراير الماضي، كما تمكن من خلق آلية ظرفية لتبادل المصالح جزئيا مع تركيا، التي سيطرت على منطقة عفرين في شمال سوريا، مقابل إخراج جماعتي أحرار الشام وفيلق الرحمن من مدينتي حرستا وحمورية وغيرهما.
واليوم تقف القوات التركية، المتمركزة في منطقة عمليات درع الفرات، على بعد مسافة قريبة من قوات أميركية وفرنسية يجري تعزيزها في مدينة منبج، آخر معاقل قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، في منطقة غرب الفرات.
ولا يزال بوتين يأمل في أن يقود الخلاف الأميركي التركي حول منبج، إلى زعزعة استقرار حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وقال آرون لوند، من مركز سنتشري فاونديشن الأميركي للدراسات، إن “موسكو تأمل على الأرجح في توجيه غضب تركيا ضد الأميركيين (…) فهذا سيخدم المصالح الروسية سواء في سوريا أو بصورة عامة من خلال إحداث شرخ في صفوف الناتو”.
ومثلت آلية أستانة، التي سيجتمع الرؤساء الثلاثة وفقا لها، منصة لخلق مناطق “خفض التوتر” في سوريا. ويقول دبلوماسي غربي “مشكلة اجتماعات أستانة أنها أسست لمناطق ‘تصعيد التوتر’ بدلا من خفضه”.
ويعمل الرؤساء الثلاثة على المضي قدما في التنسيق بينهم، وتقويض مسار جنيف القائم على القرار الأممي 2254، وتأجيل أي دور سياسي غربي في الأزمة إلى مرحلة التوصل إلى الحل النهائي. لكن في الوقت الحالي، يبدو أن جميع الأطراف المنخرطة في الصراع مهتمة أكثر ببسط السيطرة على أكبر مساحة ممكنة للنفوذ.
وأدى إعلان ترامب عن قرب سحب القوات الأميركية من سوريا إلى ظهور مراهنات جديدة وازدياد الطموح التركي والإيراني لحصد المكاسب. لكن خبراء يستبعدون حدوث ذلك، في وقت تسيطر فيه القوات الأميركية بالتعاون مع الأكراد، على ما يقرب من 30 بالمئة من مساحة سوريا، و95 بالمئة من مصادر الطاقة في البلاد. ويبدو أن واشنطن لا تسعى إلى تحقيق أي إنجاز ميداني أكبر من ذلك في الوقت الحالي.
وسيؤدي أي انسحاب أميركي متعجل من سوريا إلى الضغط على الوجود الأميركي في العراق، كما سيسمح بعودة ظهور تنظيم داعش مرة أخرى، خصوصا إذا ما حقق أردوغان وعوده بالتمدد في منطقة شرق الفرات، وصولا إلى القامشلي والحدود العراقية.
Thumbnail
ويرى سنان أولغن رئيس مركز الاقتصاد والسياسة الخارجية في إسطنبول أن الدول الثلاث هي الآن القوى الرئيسية الموجودة على الأرض في سوريا لأنها كانت “على استعداد لتسخير موارد عسكرية في سبيل التأثير على مجرى النزاع″.
وتابع “لفترة طويلة لم تشأ القوات الغربية الالتزام عسكريا. وبالتالي، باتت سوريا مقسمة إلى مناطق نفوذ مختلفة تعكس الوجود العسكري لهذه الدول”.
وعلى الصعيد السياسي تراجع الدور الأميركي طواعية، وأدى التفاف تركيا وإيران حول روسيا، ومنحها ميزة الإشراف على الملف من قبل الغرب، إلى بناء اعتراف دولي بقيادة روسيا لتفاعلات عسكرية لإدارة الحرب في مرحلة ما قبل الحل، دون منحها منفردة صلاحيات إنهاء الحرب وصياغة هذا الحل النهائي.
وقالت المحللة في معهد دراسات الحرب إليزابيث تيومان إن “عملية أستانة هي وسيلة تسعى تركيا وروسيا وإيران من خلالها لإدارة الحرب وخدمة مصالحها المختلفة”.
وأوضحت أن تركيا تسعى لفرض الأمن في مناطق معينة لتتركها في عهدة فصائل مؤيدة لها، في حين أن موسكو تريد “حماية القواعد البحرية والجوية الروسية على طول البحر المتوسط”.
وأضافت أنه إن كانت تركيا “شريكا أضعف” من روسيا أو إيران على الأرض، إلا أن سيطرتها الواسعة في شمال سوريا “تعزز موقعها داخل (الحلف) الثلاثي”.
لكنّ هناك نقاطا خلافية لا تزال قائمة بين الدول الثلاث في ضوء دعمها لمعسكرات متصارعة.
وأوضحت تيومان أن “التعاون التركي الروسي يؤتي ثماره، لكنه يشهد احتكاكات. ويمارس كل من بوتين وأردوغان ضغوطا لكبح سلوك الآخر والتأثير عليه”.
ومن غير المتوقع أن يتم التوصل إلى نتائج عملية كبرى خلال القمة المقررة، الأربعاء، في إسطنبول.
وقال لوند “سوريا بلد في غاية التعقيد، وحتى إن كان الروس وسواهم يعملون جاهدين لضمان مصالحهم، فمن غير المؤكد أن يتمكنوا من السيطرة بشكل جيد على الوضع″.