دحر الإرهاب بداية لتحول استراتيجي في سيناء

الاثنين 26 مارس 2018 1:47 م
دحر الإرهاب بداية لتحول استراتيجي في سيناء

أهالي سيناء ينتظرون الحياة بسلام

جنوب العرب - جنوب العرب - القاهرة

الغياب الكبير لسيناء في جدول أعمال رؤساء مصر السابقين، يتغير في الواقع الراهن، حيث باتت هذه المنطقة قضية رئيسية في الخطاب الانتخابي للرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، الذي يطمح إلى أن تكون فترته الرئاسية الثانية بداية حقيقية لتنمية سيناء، وفرصة جديدة للتركيز على خلاصها من الإرهابيين الذين تجمعوا فيها ثم تحويلها إلى مركز لمشروعات اقتصادية.

وفي فترات كثيرة من التاريخ المصري، كانت سيناء محل اهتمام حكام البلاد لخصوصيتها الدينية والجغرافية، لكن زاد الاهتمام بهذه المنطقة خلال الأعوام الأخيرة بسبب ما عانته من اعتداءات إرهابية ولمساعي التنظيمات المتطرفة لتحويلها إلى “تورا بورا” جديدة، ونقطة تمركز إستراتيجية لأهدافها، في الوقت الذي تتلقى فيه خسارات ميدانية بمعاقلها بسوريا والعراق.

وقطع الجيش المصري، الذي يقود عملية عسكرية شاملة منذ فبراير الماضي لتطهير سيناء، شوطا طويلا في مهمته وأجهز تقريبا على نحو 80 بالمئة من القوة المسلحة التابعة للجماعات التكفيرية التي تكالبت على سيناء.

واستحوذ النجاح الجديد على جانب كبير من تفكير السيسي خلال فترة ولايته الأولى، ويأتي نتيجة إدخال تعديلات كبيرة على الخطط الحكومية لمواجهة المتطرفين الذين استفادوا على مدار سنوات ماضية من الفراغ السكاني النسبي، والجغرافيا الصعبة، والظروف الاجتماعية القاسية، وقد جرى سد غالبية الثغرات التي نفذ منها هؤلاء.

وضاعفت السفن المصرية من سيطرتها على المنافذ البحرية الممتدة في البحرين المتوسط والأحمر وخليجي العقبة والسويس، وفرض الطيران المصري سيطرته على سماء البلاد، أما القوات البرية فقد أنهت أسطورة الأنفاق الرابطة بين غزة ورفح شمال سيناء.

80 بالمئة تقريبا من القوة المسلحة التابعة للمتطرفين يجهز عليها الجيش المصري

وتزامنت الجهود العسكرية المضاعفة في المنطقة الشرقية مع جهود مماثلة في المنطقتين الغربية والجنوبية: الأولى كانت مصدرا لتهريب البشر والسلاح القادمين من ليبيا، والثانية منفذا حيويا للقادمين من السودان.

الانتباه لهذه الجيوب الخطيرة قلص كثيرا
من إمكانيات تواجد التنظيمات الإرهابية في سيناء، فعندما كثفت القوات المصرية ضرباتها كانت معظم دوائر الإمداد والتمويل قد تعطلت، والسبب أن الدول التي تقوم بهذا الدور التخريبي في المنطقة (مثل تركيا وقطر) قد انكشف تورطها بعد أن تحولت التهم إلى أدلة ووقائع يصعب إنكارها، لذلك تخشى أن يفضي التمادي في الدعم إلى افتضاح أمرها أمام العالم أجمع.

وتعد العملية المحكمة التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء، التي انطلقت قبل أسابيع قليلة من ماراتون الانتخابات المصرية، بمثابة هدف تكتيكي لتحريرها من قبضة الإرهابيين الذين تمركزوا في منطقة صغيرة بشمال سيناء، أما هدفها الإستراتيجي فهو إعادة صياغة المنظومة التقليدية التي اعتمدت عليها والأسباب الفكرية والأيديولوجية التي تقف وراءها وقادت إلى تحولها لوكر للمتطرفين بجر مواطنين، أغلبهم متورطون في تجارة تهريب البشر والسلع والمخدرات، إلى فخ آخر لا يقل خطورة وهو التجنيد والاستقطاب نحو الفكر التكفيري.

ورغم أن كل ذلك لم يغب عن حسابات أجهزة الأمن في مصر خلال السنوات الماضية، إلا أن خطتها المباشرة للتعامل مع قضية الإرهاب كانت متذبذبة، إذ أنها كانت متوجسة من وقوع ضحايا بين المواطنين، في الوقت الذي يرى قاطنو شمال سيناء أن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية مهضومة ويتم التعامل معهم كأنهم “مواطنون درجة ثانية".

وحاول السيسي تبديد قلق سكان سيناء بشتى الطرق، لإدراكه أن التنظيمات الإرهابية لعبت عليه لفترة ووظفته لصالحها، وحاولت الترويج له، على الأقل لضمان عدم تعاون المواطنين مع أجهزة الأمن، وهو ما أعاق كثيرا جهود الجيش المصري.

والهجمات الإرهابية التي شنتها هاته التنظيمات أمام حالة ارتباك أمني وشعبي جعلها تطمع في الاستحواذ على بقعة كبيرة من سيناء، لكن السيسي وفريقه الحكومي تشبثا بتحقيق انتصار ومكاسب ميدانية رغم حجم العوائق، وإنهاء واحدة من العقبات التاريخية التي حالت دون تسخير إمكانيات هذه المنطقة التي تبلغ نحو 6 بالمئة من مساحة مصر.


وتجاوز التعامل الرسمي مع الحالة المتوترة في سيناء ملف الإرهاب، وباتت هناك فرصة مناسبة لإحداث تغيير نوعي في هذه المنطقة، من خلال إحداث طفرة تنموية واسعة، تجذب إليها قطاعا كبيرا من السكان ورجال الأعمال، وتجعل منهم خط دفاع أول عن سيناء. وتمهد هذه الخطوة لإستراتيجية السيسي في سيناء في حال فوزه بولاية ثانية.

ومعروف أن سيناء في العقيدة العسكرية المصرية منطقة "حرب"، وكان الحكام السابقون يتقيدون بهذه العقيدة، وتجنبوا الاستثمار وخطط الإعمار فيها خوفا من ضياع المشروعات الاقتصادية عند أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل، واقتصر العمران على الجزء الجنوبي منها لأسباب سياحية.

لكن التطورات المتلاحقة
في التكنولوجيا أنهت أسطورة الاعتماد على المساحات الشاسعة في الحروب، وبدأت مصر تلتفت إلى ضرورة الدفاع عن سيناء بكل الوسائل، وردع كل محاولات العدوان عليها من خلال خلق شبكة مصالح إقليمية ودولية، وتهيئة الأجواء لطفرة تنموية تنهي غضب المواطنين وتستجيب لمطالبهم بتحقيق تنمية عادلة بين جميع المناطق.

لذلك المطلوب خلال السنوات المقبلة أن تتحول سيناء من منطقة صحراوية إلى منطقة حيوية على كل المستويات من الناحية السكانية والاقتصادية والأمنية، ولتكون بمثابة حائط صد رئيسي يجبر كل قوة معتدية على التفكير أكثر من مرة، لأنها سوف تصيب بذلك مصالح شركات متعددة الجنسيات من جهة وترتكب انتهاكات واسعة في مجال حقوق الإنسان من جهة ثانية.

الوصول إلى هذه النتيجة يتطلب القفز فوق تحديات كثيرة، أهمها البحث عن الآليات الناجعة للتخلص من التنظيمات الإرهابية وفلولها المختلفة. والمؤشرات الميدانية تلفت إلى أن الجيش المصري أصبح على مقربة من هذا الهدف خلال الفترة المقبلة.

ولم يكن القضاء على الإرهاب عصيا على أجهزة الأمن، فقد خاضت مواجهات سابقة في تسعينات القرن الماضي ودحرت عناصره، لكن ما كان عصيا فعلا هو كيف تتمكن القاهرة من فرض سيطرتها الأمنية على سيناء تماما في ظل القيود التي فرضتها اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل منذ 1979؟

المطلوب خلال السنوات المقبلة أن تتحول سيناء من منطقة صحراوية إلى منطقة حيوية على كل المستويات من الناحية السكانية والاقتصادية والأمنية

الاتفاقية قسمت سيناء إلى ثلاث مناطق (أ، ب، ج) كل منطقة لها خصوصية عسكرية محددة لضمان أمن إسرائيل. المهم أن سيناء أصبحت منطقة شبه خالية من القوات العسكرية. كيف تستطيع دولة بحوزتها مشروعات تنموية طموحة حمايتها وهي لا تملك قوات مسلحة كافية في سيناء؟

بالطبع ليس الإرهاب ذريعة للتخلص من هذه الفجوة، لكن التداعيات التي أفرزها كانت سببا رئيسيا للتعجيل في ضرورة العمل والتفكير في آليات لردم هذه الهوة.

التحرير الأول لسيناء عقب حرب أكتوبر 1973، كانت خطواته معروفة واستلزمت عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف. نعم لم يكن الانتصار ساحقا، غير أنه حرك المياه في اتجاه البحث عن تسوية سياسية، بموجبها عادت سيناء كاملة إلى مصر، بعد احتلالها لنحو ست سنوات.

أما التحرير الحالي، فإنه استلزم دحر التنظيمات الإرهابية، وخلق بيئة جديدة تجبر إسرائيل على التسليم بسلاسة للأمر الواقع، دون إثارة ضجيج حول القيود التي وضعتها اتفاقية السلام المعروفة بـ”كامب ديفيد” بشأن الترتيبات العسكرية المتفق عليها في سيناء بأقسامها المختلفة.

وتعد مسألة مكافحة الإرهاب إحدى نقاط التلاقي بين مصر وإسرائيل، وأدى هذا الملف إلى توسيع نطاق التعاون الأمني بينهما، ولم تثر إسرائيل ملف اتفاقية السلام وملحقاتها العسكرية، وهي تعلم، بما يقوم به الجيش المصري من تعزيزات أمنية بإدخال معدات ثقيلة لم يكن متفقا عليها من قبل.

وكان التجاهل أو غض الطرف من جانب إسرائيل عما يجري من تغيرات في البيئة العسكرية لسيناء، بغرض تعميق العلاقات مع مصر التي أرادت دحض سيناريوهات تم ترويجها حول منح الفلسطينيين جزءا من شمال سيناء، في إطار صفقة لتبادل الأراضي ترمي إلى وضع حل نهائي للقضية الفلسطينية.

لكن التحرير الثاني لسيناء يقطع الطريق على هذا النوع من السيناريوهات، لأن خطط الإعمار والتنمية والسيطرة التامة على سيناء سوف تخمد أي تفكير يروج لاستغلال الفراغ الحاصل فيها، وفي المقابل سوف يفتح الباب لحديث طويل عن مشروعات اقتصادية تشارك فيها أطراف إقليمية مختلفة، وهو ما سيغير من واقع سيناء لتكون منطقة للسلام بدلا من فضاء ساخن للحرب.

التعليقات

تقارير

الاثنين 26 مارس 2018 1:47 م

في خطوة مفاجئة، كشفت مصادر مطلعة عن اقتراب الحكومة الشرعية في اليمن من إبرام صفقة ترخيص مع خدمة "ستارلينك" للإنترنت، المملوكة للملياردير الأمريكي إيلو...

الاثنين 26 مارس 2018 1:47 م

كشفت مصادر مطلعة عن خلافات حادة داخل المجلس الانتقالي الجنوبي، على خلفية مشاركة فضل الجعدي الأمين العام لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي وعلي الكثيري رئيس...

الاثنين 26 مارس 2018 1:47 م

يلجأ مجلس القيادة الرئاسي اليمني إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح في مأرب، باعتباره قوة سياسية وعسكرية مسيطرة على الأرض، لتوفير قاعدة خلفية للشرعية في حا...

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر