الإستراتيجية الروسية
من المسلم به اليوم أن روسيا الاتحادية تملك من المقومات العسكرية والسياسية والاقتصادية ما يبوئها موقعاً عالمياً قطبياً منافساً بجدارة، دون الحاجة لإذن من أحد.
اعتبر الكاتب مهران غطروف في مقال نشره موقع "كاتيخون" أن موضوع القوة الروسية ليس مختصراً فقط بالقوة، فهي شيء متوافر ومقدور عليه، وهذا ما تم إثباته كثيراً خلال عدة نقاط صدام مثل جورجيا وأوكرانيا وصولا إلى الحربِ السورية الدائرة، والتي تكاد أن تكون نواةَ حرب عالمية ثالثة بالطريقة التقليدية، حيث تجاوزت درجة الحرارة فيها درجة الحرب الباردة في مواقع كثيرة.
وأضاف الكاتب: "فالعقل الروسي، ونهج دبلوماسية القوي الذي قدّم في خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير، راكم خلال العقودِ الثلاثة الماضية الكثير من الجمر تحت سطح الثلوج "السيبيرية"، وما الفيديو التوضيحي الذي رافق كلمة الرئيس "بوتين" خلال كشفه عن مجموعة من الأسلحة الحديثة ذات القدرات الفائقة، والتي تنوعت ما بين أسلحة بحرية وصواريخ وأسلحة ليزر، من بينها صاروخ يمكنه أن يصل إلى أي مكان في هذا العالم، وما إشارته إلى أن الدرعَ الصاروخية الأمريكية في أوروبا وآسيا لا يمكنها إيقاف هذا الصاروخ الجديد، إلا بعض وهج هذا الجمر، فهم وكما قال الرئيس بوتين: "لم ينجحوا في كبح جماح روسيا."
وتابع الكاتب، "وبالوقوف على خلفية هذا الإعلان النووي قولا وفعلا، علينا العودة لما ورد في وثيقة العقيدة النووية الأمريكية الجديدة لهذا العام، والتي أعلن عنها بتاريخ الثاني من فبراير/ شباط الفائت. حيث تضمنت السعي لتحديث "الثالوث النووي" للولايات المتحدة، والذي يتضمن الطيران الاستراتيجي والصواريخ الباليسيتية العابرة للقارات والغواصات الحاملة للرؤوس النووية. إضافة لذلك خطة البنتاغون لتقليص قوة القنابل النووية مع زيادة مداها، من خلال تزويد الصواريخ الباليستية النووية العابرة للقارات من طراز "Trident" المثبتة على الغواصات النووية بالرؤوس النووية الجديدة، ما سيتيح تحويل تلك الصواريخ إلى سلاح نووي تكتيكي، في واقع الأمر".
ولفت الكاتب إلى أن "بعض الخبراء وصفوا هذه العقيدة النووية الأمريكية الجديدة بإستراتيجية "حرب نووية محدودة"، تعتمد على توجيه ضربة نووية على نطاق ضيق، من دون إلحاق "ضرر مدمر" في الولايات المتحدة الأمريكية بالذات"، أما الرئيس بوتين وصف هذه العقيدة النووية الأميركية الجديدة بالمقلقة، وقال إن منظمة حلف شمال الأطلسي تبني دفاعات على الحدود الروسية ولكنّ "الصناعات الروسية ستجعل من تلك الدفاعات دفاعات غير فعالة".
وأشار إلى أن "الغريب في الأمر أن هذه العقيدة الأمريكية ادعت أن روسيا بشكل خاص، ترفض جهود الولايات المتحدة الرامية إلى تحقيق جولة جديدة من تقليص حجم الترسانات النووية لكل من واشنطن وموسكو، عبر التفاوض وتخفيض القدرات النووية غير الإستراتيجية، وهنا يتبادر للذهن مباشرة سؤال عن المغذى من هذه العقيدة النووية الأمريكية الجديدة إذا!، وهل هي عقيدة نووية ستعمل على تثبيت "قطع الحلوى" على رؤوس الصواريخ الباليستية، وتعمل على إرسالها إلى أطفال كل من ليبيا و العراق واليمن وفلسطين وسورية وغيرهم!
وأضاف أن الرئيس الروسي حذر من مغبة مهاجمة حلفاء روسيا، مؤكداً أن بلاده ستعتبر أي هجوم بالسلاح النووي على أحد حلفائها هجوما عليها، وأنها سترد فورا على هذا الهجوم، مضيفا أن "روسيا لا تنوي مهاجمة أي دولة أخرى".
واعتبر الكاتب أنه مع كل ما تضمنه الخطاب من عرض وتوصيف لحالة القوة والجهوزية الدفاعية الردعية، إلا أن بوتين وجه دعوة للشراكة مع الشركاء الغربيين في أمور أهمها الثروات والطاقة، بقوله:
"إنه بالرغم من اختلاف مواقفنا مع الولايات المتحدة والأوروبيين نبقى شركاء على كل حال، لأن علينا أن نرد على التحديات الأصعب معا، وتوفير الأمن العام وبناء عالم المستقبل الذي يزداد ترابطا أكثر فأكثر."
مشيرا إلى أن هذا دليل على أن نيةَ روسيا لم تكن يوما عدائية أو مبيتة ضد أحد، ولكنها نية معقودة على التصدي لكل من تسول له نفسه تجاوز الخطوط الحمر النووية الجديدة.
وتساءل الكاتب "هل يمكن للغرب أن يخرج من تحت عباءة التبعية العمياء للأمريكي، وينجز علاقاته القادمة مع روسيا على أساس الواقع الحاصل جراء فرض قواعد اشتباك عالمية جديدة؟"
وتابع "أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها قواعد بلغت الذروة النووية في الرسائل المتبادلة بين أكبر ترسانتين نوويتين في العالم، خاصة وأن الرئيس الروسي وجه عدة رسائل في هذا الصدد، معربا عن اهتمام موسكو بالتعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا، ومشيرا إلى ضرورة الشراكة معهم رغم اختلاف السياسات فيما بينهما، بقوله: "نحن مهتمون بالتعاون الطبيعي البناء مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ونعول على أن يتغلب العقل الراجح".