فرض مقاتلو المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرتهم على عدن بشكل كامل تقريبا
الصراع الذي تشهده مدينة عدن في جنوبي اليمن بين الحكومة المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي الجنوبي ليس وليد هذه اللحظة أو الظرف الراهن، إذ لطالما شكا أبناء الجنوب من سيطرة وسطوة الشماليين عليهم منذ اتحاد شطري اليمن عام 1990.
سيطر الزيديون على شمالي اليمن بنهاية القرن التاسع الميلادي حتى ستينيات القرن الماضي. وفي أعقاب سقوط الدولة العثمانية حصل اليمن على الاستقلال وكانت بداية حكم الامام يحي بينما بقي جنوبي اليمن وخاصة مدينة عدن تحت سيطرة بريطانيا التي تعود إلى عام 1839.
تقسيم
خلال الحرب العالمية الأولى وقعت بريطانيا والسلطة العثمانية على اتفاقية ترسيم الحدود بين الشطرين حيث جرى تقسيم اليمن عمليا لأول مرة في التاريخ بين قوتين استعماريتين.
وفي عام 1948 أغتيل الإمام يحي وتولى ابنه أحمد الحكم بعد صراع من معارضي حكم والده. توفي الامام أحمد عام 1962 وتولى الحكم بعده ابنه، لكن ضباطا في الجيش استولوا على الحكم وأعلنوا عن قيام الجمهورية العربية اليمنية في الشمال ونشبت حرب أهلية بين أنصار الجمهورية المدعومين من مصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأنصار الامام المدعومين من قبل السعودية انتهت بانتصار الجمهوريين.
عام 1967 انتهت مرحلة الاستعمار البريطاني في جنوبي اليمن الذي كان يضم عدن وامارات ومحميات صغيرة كانت تحت سلطة الانتداب البريطاني وحملت الدولة الوليدة اسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وتولى قحطان الشعبي رئاسة الجمهورية.
استولت جبهة التحرير الوطني على السلطة في الجنوب عام 1969 وبدأت بتطبيق برنامج اقتصادي يساري بدعم واسع من قبل الاتحاد السوفييتي السابق. ظلت علاقة شطري البلاد تتسم بالتوتر واحيانا وصل الى مرحلة المواجهة المسحلة عامي 1972 و1979.
حرب أهلية
اندلعت حرب أهلية مدمرة في اليمن الجنوبي عام 1986 بين جناحين في الحزب الاشتراكي اليمني الحاكم انتهت بسيطرة الجناح الذي كان يقوده على سالم البيض ضد الجناح الأخر بقيادة الرئيس علي ناصر محمد الذي لجأ الى الخارج لاحقا.
لكن ما لبث أن دخل الداعم الأساسي لليمن الجنوبي، الاتحاد السوفييتي، مرحلة التفكك الأمر الذي ساعد في توصل الشطرين إلى اتفاق وحدة عام 1990، بعد مفاوضات مطولة قادها الرئيس علي عبد الله صالح عن الشمال ونظيره الجنوبي على سالم البيض وتولى صالح رئاسة اليمن الموحد بينما تولى البيض منصب نائب الرئيس.
تم تشكيل حكومة ائتلافية بين حزب المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي اليمني عام 1993 لكن بعد أشهر قليلة غادر البيض صنعاء واستقر في عدن متهما الشمال بتهميش الجنوب وتعرض أبناء الجنوب لاعتداءات الشماليين. وتصاعد التوتر بين الشطرين وما لبت أن اندلعت معارك عنيفة بينهما انتهت بهزيمة الجنوبيين وفرار قادة الجنوب إلى الخارج حيث يستقر البيض في الامارات منذ ذلك الوقت.
ورغم سيطرة الشمال لم يتوقف أبناء الجنوب عن الشكوى والاحتجاج على ما يصفونه بالتهميش والاقصاء الذين يتعرضان لهما كما يقولون.
موقع استراتيجي
كانت عدن المستعمرة الأجنبية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية منذ 1839 واقامت فيها بريطانيا إدارة ومركزا تجاريا ومؤسسات تعلمية وكان ميناء عدن يقوم بدور حماية قوافل التجارة الانجليزية بين القارتين الآسيوية والأوربية، فتحولت عدن إلى مركز تجاري هام يجذب مختلف الأعراق والفئات من بينهم عدد كبير من الهنود والصوماليين.
في أعقاب حرب 1994 تدهور وضع المدينة والجنوبيين بشكل عام من مختلف النواحي وكانت ولادة "الحراك الجنوبي" الذي قادة المظاهرات والاحتجاجات المناهضة لحكم صالح الذي تمت الاطاحة به في انتفاضة شعبية عام 2011 الأمر الذي أعطى زخما اضافيا للحراك الجنوبي.
فر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من صنعاء إلى عدن هربا من القوات الموالية للرئيس الراحل علي عبد الله صالح والحوثيين في فبراير/شباط 2015، بعد أن استولت على صنعاء. تصدى أنصار الحراك الجنوبي للحوثيين وقوات صالح دفاعا عن عدن قبل أن تتدخل دول التحالف العربي في مارس آذار 2015 حيث لعبت القوات الاماراتية والسعودية دورا كبيرا في مساندة الجنوبيين والقوات الموالية لهادي في طرد المهاجمين من عدن بعد أربعة أشهر من المعارك الشرسة.
جاء ذلك بفضل إنزال بحري للقوات السعودية والاماراتية في عدن في اغسطس/آب 2015 ومساعدتها في طرد الحوثيين من معظم أرجاء جنوب اليمن.
منذ طرد الحوثيين من معظم أرجاء اليمن الجنوبي واجهت عدن أزمات أمنية واقتصادية متزايدة نظرا للنشاط المتزايد للجماعات المتطرفة مثل القاعدة وغيرها من الجماعات الجهادية التي شنت عددا من الهجمات الانتحارية في المدينة وقتلت قادة وساسة في المدينة مثل محافظ عدن جعفر محمد سعد أواخر 2015.
"تبعية"
ويتهم الجنوبيون أنصار حزب الاصلاح الموالي للرئيس هادي بالتبعية لجماعة الإخوان المسلمين بينما تعرض بعض رجال الدين السلفيين لعمليات اغتيال خلال الأشهر القليلة الماضية.
في شهر مايو/آيار 2017 اندلعت مواجهات مسلحة بين أنصار الرئيس هادي وأنصار محافظ عدن عيدروس الزبيدي المدعوم من قبل دولة الامارات العربية المتحدة حسبما يشاع في منطقة الميناء فأصدر هادي قرارا بعزل الزبيدي من منصبه وتعيين محافظ آخر.
ورغم أن الرئيس هادي ورئيس حكومته بن دغر هما من جنوبي اليمن فإن ذلك لم يخفف من النزعة القوية لدى الجنوبيين للانفصال عن الشمال وتلوح في الأفق الآن امكانية نجاح الزبيدي في حشد قوات كافية لاقصاء حكومة هادي عن الجنوب وإعلان انفصال الجنوب عن الشمال.
ويحظى الزبيدي بدعم الجناح العسكري للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرأسه والمعروف باسم "الحزام الأمني" الذي تموله وتسلحه دولة الامارات العربية المتحدة.
ومنذ انطلاق "عاصفة الحزم" الذي تقوده السعودية والامارات لمواجهة الحوثيين وقوات صالح، ركزت الامارات جل دعمها العسكري والمادي والإغاثي على جنوب اليمن وخاصة مدينة عدن وميناء المدينة الذي يتميز بموقع استراتيجي نظرا لقربه من باب مضيق باب المندب.
ونظرا لفشل التحالف العربي وقوات هادي في إلحاق الهزيمة بالحوثيين في الشمال فإن الجنوبيين قد يغتنمون الفرصة المتاحة ويعلنون الانفصال عن الشمال وتقرير مصيرهم.
وينصب جل اهتمام السعودية على حماية حدود المملكة الجنوبية مع اليمن ومواجهة هجمات الحوثيين عليها والتي باتت تهدد حتى العاصمة الرياض التي تعرضت لهجمات صاروخية.
ما يشهده جنوب اليمن ستكون له تداعيات سلبية على الجهد العسكري الذي تقوده السعودية لمواجهة الحوثيين، مما ينذر بإطالة أمد الحرب في اليمن، تلك الحرب التي قد يرى أهل الجنوب أنها لم تعد تعنيهم كثيرا بعد أن سيطروا على الجنوب.