الجنوب الليبي .. منطقة تملك مفاتيح النجاة من الفوضى

الجمعة 19 يناير 2018 1:00 ص
الجنوب الليبي .. منطقة تملك مفاتيح النجاة من الفوضى

أوروبا ودول الجوار على فوهة مدفع الإرهاب والفوضى في ليبيا

جنوب العرب - جنوب العرب - وكالات

دلل إعلان وزيرة الدفاع الإيطالية روبرتا بينوتي مؤخرا عن رفع أعداد جنود بلادها في ليبيا إلى 400 عسكري ونشر قوة عسكرية في شمال النيجر في مهام تدريبية على تصاعد الترابط بين الجنوب الليبي ودول الساحل الأفريقي في استراتيجية روما.

يأتي هذا الإعلان بعد أيام قليلة من مقتل عبدالسلام طرمون، زعيم حركة أبناء الصحراء المسلحة في سبها، ليعد مؤشرا على تشابك أزمات جنوب ليبيا مع أحد أبرز جاراته الإقليمية المتماسة معه حدوديا، وهي الجزائر، خاصة أن طرمون كان قد فر من جنوب الجزائر، إثر ضغوط أمنية على حركته، في وقت تصاعدت فيه التحذيرات من نشاط مكثف لتنظيم داعش في المنطقة الصحراوية الرابطة بين سرت (وسط) والجفرة (جنوب) في ليبيا.


توظيف داخلي

يعد الجنوب الليبي همزة وصل جيوسياسية بين ليبيا ودول أفريقيا جنوب الصحراء، وتلتقي تلك المنطقة جغرافيا مع حدود أربع دول: تشاد والسودان والنيجر والجزائر. ويزداد عمق ذلك التماس مع تداخل المكونات السكانية القبلية بين الجهتين، بما يطرح تأثيرات أكثر تمددا للمنطقة باتجاه دول ليس متماسة مباشرة مع الجنوب الليبي مثل مالي وموريتانيا وبوركينا فاسو ونيجيريا.

وتتمدد قبائل التبو باتجاه تشاد والنيجر والسودان، بينما لا تمنع أيضا حدود الجنوب السائلة من تواجد الطوارق العابر للقومية الذي يصل إلى دول كالجزائر والنيجر وبوركينا فاسو ومالي، وحتى القبائل العربية في الجنوب الليبي، مثل أولاد سليمان، فإنها تملك أيضا تفرعات في النيجر.

صراعات جهوية وعقائدية تتصادم ومحاولات من قوى مؤثرة للسيطرة على منطقة مصدرة للتهديدات تجاه القوى الإقليمية والدولية
تعرضت خارطة التمددات القبلية للجنوب الليبي إلى ما وراء الحدود لتوظيف نظام العقيد معمر القذافي الذي استغل التبو في مغامراته الخارجية الخاسرة تجاه تشاد، خلال ثمانينات القرن الماضي، كما استعان بالطوارق لتشكيل فيالق عسكرية أو الضغط على دول بالمنطقة، مثل موريتانيا ومالي والنيجر.

أخذ الصراع على مكونات الجنوب الليبي بعد سقوط القذافي مسارا أكثر حدة أشعل التنافس المحلي القبلي على اقتصاديات التهريب في ظل ضعف السلطة الأمنية في ضبط الحدود مع الدول المجاورة.

ولتأمين تلك المكاسب، انخرطت أطراف الجنوب الليبي منذ صيف 2014 في قلب الانقسام المناطقي بين الشرق والغرب ومالت ميليشيات من التبو إلى دعم الجيش الوطني الليبي وحلفائه في مجلس النواب في الشرق (تحالف الكرامة)، بينما دعمت ميليشيات من الطوارق تحالفات الإسلاميين ومصراتة، أو ما يعرف آنذاك بفجر ليبيا.

لم يوقف اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015 ذلك الصراع على مكونات الجنوب، حتى مع استدعاء ممثلين من المنطقة، ضمن منطق المحاصصة الذي غلب على تشكيل المجلس الرئاسي وتسبب في شلله، وثار جدال حول مدى معالجة مسودة الدستور الليبي لطموحات التبو والطوارق بخصوص قضايا الهوية واللغة بخلاف مطالبهم مع الأمازيغ في غرب ليبيا بالتمييز التنموي الإيجابي تعويضا للتهميش التاريخي للمنطقة.

تحوّل الجنوب الليبي إلى منصة تلاق للتنظيمات الإرهابية المتنقلة عبر الحدود من أفريقيا جنوب الصحراء أو الشرق الأوسط. واستغلت هذه التنظيمات ضعف السلطة الوطنية والصراعات المحلية التي فشلت اتفاقات المصالحة في إخمادها.

والأهم، كون تلك المنطقة مصدرا أساسيا لتمويل أنشطتها الإرهابية في الدول المجاورة لليبيا عبر الانخراط في التهريب والجريمة المنظمة، خاصة عند ممر السلفادور الرابط بين جنوب ليبيا والنيجر والجزائر.

وتشير تقارير متعددة إلى أن عبدالسلام طرمون الذي قتل في سبها شارك بالأساس في الهجوم الإرهابي على منشأة الغاز في عين أميناس في يناير 2013 جنوبي الجزائر.

قاد ذلك الهجوم مختار بلمختار زعيم جماعة المرابطين، ووصفت العملية آنذاك بأنها متعددة الجنسيات الجهادية، وتم الإعداد والتدريب لها داخل جنوب ليبيا، وانشق طرمون لاحقا عن المرابطين، وأسس حركة الجنوب المسلحة التي وجدت لها ملاذا في سبها.

ويضم الجنوب الليبي جماعات إرهابية أخرى متنوعة الانتماءات، وتشير تقارير استخباراتية إلى أن فلول تنظيم داعش الذين هزموا في سرت في نهاية 2016 انتقلوا إلى جنوب ليبيا، وحذرت أفريكوم (القوات الأميركية العاملة في أفريقيا) خلال شهر يناير الجاري من أن فلول داعش يسعون إلى إعادة تشكيل بنية تنظيمهم للهجوم على مناطق الهلال النفطي، التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي منذ نوفمبر 2016.

ويشكل الجنوب الليبي حيزا أساسيا في مسيرة الدواعش، خاصة وأن تنظيم الدولة الإسلامية أعلن عن تأسيس “ولاية فزان”، وإن كان لم يتمكن من التوطين وحيازة نطاق جغرافي بعينه كما حدث في سرت، وهو ما يرجعه البعض إلى صعوبة تقبل العامل القبلي لتوطين التنظيم جغرافيا وإن سمح له باختباء بعض عناصره.

وترجح بعض التقارير الغربية فرار عناصر وقيادات تنظيمات قاعدية باتجاه الجنوب الليبي، ومنهم مختار بلمختار، وإياد أغ غالي زعيم حركة أنصار الدين الطوارقية، في ظل صلاته مع ابن عمه الشيخ أحمد عمر الأنصاري مؤسس لواء حرس الحدود 315 في أوباري جنوب غرب ليبيا.

وأخذت تلك التقارير أهمية كبيرة مع توجه إياد أغ غالي لبناء تحالف جهادي بين الحركات الإرهابية في الساحل الأفريقي في مارس 2017 تحت اسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وضم “المرابطون” وأنصار الدين وكتائب تحرير ماسينا وإمارة منطقة الصحراء.

ومع الضغوط الأميركية والفرنسية على الإرهابيين في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ربما تصبح جنوب ليبيا المنصة الأساسية لاختباء عناصر ذلك التحالف، والانطلاق لشن هجمات إرهابية ضد دول الساحل الأفريقي.

معارضة إقليمية مسلحة

يتشابك نمط التهديد الإرهابي الصاعد جنوب ليبيا مع آخر للمعارضة الإقليمية المسلحة والمرتزقة التي لاذت بالمنطقة، إثر ملاحقات الأنظمة المجاورة في تشاد والسودان، مما عقد من حسابات القوى الإقليمية تجاه الصراع الداخلي في ليبيا.

واتهمت حكومة الخرطوم مجموعات من درافور غربي السودان مثل حركة العدل والمساواة وجيش تحرير السودان بقيادة مني مناوي بالقتال إلى جانب الجيش الوطني الليبي، وربما يفسر ذلك موقف الخرطوم المائل نسبيا لدعم تحالف الإسلاميين ومصراتة ووكلائه المحليين في جنوب ليبيا. بالمثل، لجأت بعض حركات المعارضة لنظام إدريس ديبي في تشاد إلى جنوب ليبيا، خاصة جبهة التغيير والوفاق التي دعمت حكومة الوفاق ومصراتة، وبدا أن الأخيرة تسعى لتوظيف المعارضة التشادية لفك تحالف حفتر – ديبي، بدليل إعلان جبهة التغيير والوفاق في ديسمبر 2016 تعرضها لهجوم من جانب الجيش الوطني الليبي في جنوب ليبيا.

وبينما اتجهت تشاد والسودان والجزائر والنيجر لتشديد الإجراءات الحدودية لمنع عبور تهديدات الجنوب الليبي لها، شكلت أزمة شمال مالي في العام 2012 نموذجا لانتقال أزمات ذلك الإقليم إلى الساحل الأفريقي، عندما استغلت ميليشيات طوارقية ميراث القذافي من السلاح لتخترق حدود النيجر، وتدعم تحالفا جهاديا – طوارقيا سيطر على شمال مالي آنذاك.

ومع أن التدخل الفرنسي في يناير 2013، عبر عملية سيرفال، نزع هذه السيطرة الجهادية – الطوارقية، لكن لم يتمكن من القضاء على الإرهابيين، الذين فرت عناصر وقيادات منهم إلى جنوب ليبيا أو المناطق الحدودية بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو.


تدخلات دولية

يدفع هذا التهديد الإرهابي القوى الدولية إلى التمركز في المنطقة. وسبق إعلان إطياليا عن إرسال قوة عسكرية إلى ليبيا والنيجر، اتفاق روما مع حكومة الوفاق الوطني (سبتمبر 2017) على إرسال بعثة عسكرية إلى جنوب ليبيا. وقبل ذلك تدخلت روما في ديناميات الصراع المحلي بالجنوب عبر رعاية اتفاق مصالحة بين التبو وأولاد سليمان في نهاية مارس 2017. واستهدفت باريس التي تحارب الإرهاب في الساحل الأفريقي الحد من تأثير تهديدات جنوب ليبيا على نفوذها الأمني والاقتصادي بالمنطقة. ويفسر ذلك التحركات الفرنسية المتصاعدة خلال العام الأخير على أكثر من مستوى، أولها سعي باريس للتوسط تارة والضغط تارة أخرى على كل من السراج وحفتر لتجاوز عقبات الصخيرات. وثانيها بناء خطوط اتصال فرنسية مع حفتر، لا سيما وأن موازين القوى تميل له في الجنوب الليبي. وثالثها تفعيل قوة دول الساحل الأفريقي الخمس (النيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد). وتتداخل مهام هذه القوة في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة مع أزمات الجنوب الليبي.

في خضم هذا المشهد المتداخل يبقى الجنوب الليبي لغما قد ينفجر في وجه أي مسار سياسي يمكن التوصل من خلاله إلى إنفاذ اتفاق الصخيرات
تبرز أيضا الولايات المتحدة كأحد أبرز المتدخلين في الجنوب الليبي. وتزامنت مع زيارة السراج خلال شهر ديسمبر 2017 إلى واشنطن تصريحات لإبراهيم الدباشي مندوب ليبيا السابق في الأمم المتحدة بأن ثمة طلبا أميركيا من حكومة السراج لبناء قاعدة عسكرية في الجنوب لمكافحة التهديدات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي.

يمكن تفهم هذا الطلب الأميركي في ضوء عدة عوامل أساسية تربط الجنوب الليبي بالساحل الأفريقي، أبرزها أولوية مكافحة الإرهاب في ليبيا لدى الإدارة الأميركية وجهود واشنطن لبناء قاعدة عسكرية في مدينة أغاديز شمال النيجر، والتي تشكل مركزا لوجستيا للعمليات ضد الإرهابيين في الساحل الأفريقي، لا سيما وأن النيجر تعد الممر الرابط بين ليبيا وكل من نيجيريا ومالي.

بالتالي، فأي تواجد أميركي محتمل في الجنوب الليبي يعني الربط العسكري واللوجستي مع قواتها في شمال النيجر، وفي الوقت عينه، دعم القوة متعددة الجنسيات في بحيرة تشاد (النيجر وتشاد ونيجيريا وبنين والكاميرون)، التي تطارد جماعة بوكو حرام في شمال نيجيريا.

وثمة تنسيق مع قوة برخان الفرنسية في شمال النيجر وقوة دول الساحل الأفريقي الخمس، في إشارة إلى تنسيق واشنطن وباريس جهودهما في مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي.

وتسعى واشنطن إلى ملاحقة فرع تنظيم داعش في الصحراء الكبرى الذي يتزعمه عدنان أبوالوليد الصحراوي، الذي تبنى هجوما قتل فيه أربعة من القوات الأميركية، ومثلهم من جيش النيجر في أكتوبر الماضي، أثناء دورية مشتركة على الحدود بين مالي والنيجر.

في خضم هذا المشهد المعقد والمتداخل يبقى الجنوب الليبي لغما قد ينفجر في وجه أي مسار سياسي يمكن التوصل من خلاله إلى إنفاذ اتفاق الصخيرات ما لم تؤخذ في الاعتبار معالجة معضلاته المزمنة، وما تعانيه المنطقة من أزمات كالمواطنة والهوية ونزاعات الموارد، ورغم أن الجنوب ينتج تقريبا ربع النفط الليبي ويحوي موارد معدنية مختلفة، فإنه ظل مهمّشا سياسيا واقتصاديا.

التعليقات

تقارير

الجمعة 19 يناير 2018 1:00 ص

علق الخبير العسكري المصري اللواء نصر سالم على تصريح أحد ضباط الاحتياط الإسرائيليين إيلي ديكال، بخصوص تخوف إسرائيل من هجوم مصر. وقال اللواء نصر سالم ف...

الجمعة 19 يناير 2018 1:00 ص

يعرف السياسيون والباحثون والإعلاميون في الشمال ، اصل وفصل الإرهاب الموجه ضد الجنوب ، ولا يلتبس عليهم امره وامراءه وغرف التوجيه وازرار التحكم به، يعرفو...

الجمعة 19 يناير 2018 1:00 ص

كشف القيادي في تنظيم القاعدة خبيب السوداني في تسجيلا مرئياً باللغة الإنجليزية بثته مؤسسة صدى الملاحم الإنتاج الإعلامي التابعة لتنظيم القاعدة في جزيرة...

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر