مصدر طمأنة
اختلفت التفسيرات بشأن الانتشار المحدود للجيش التونسي في عدد من مناطق البلاد، خلال الاحتجاجات الأخيرة، لتتقاطع عند المخاوف من المخاطر التي قد يثيرها الحضور العسكري على الديمقراطية التونسية الناشئة.
لكن محللين نفوا وجود أي مخاوف أو مخاطر في هذا الشأن، مرجعين الانتشار العسكري المحدود إلى عوامل أخرى مرتبطة في مجملها بما يقتضيه الوضع الأمني في حالات الحراك الاجتماعي.
واهتزت تونس، الأسبوع الماضي، على وقع احتجاجات طالت العديد من المدن تنديدا بغلاء المعيشة.
والأربعاء الماضي، قال العقيد بلحسن الوسلاتي، المتحدث باسم وزارة الدفاع التونسية، “تم بالتنسيق مع السلطات المدنية (الولاة) نشر أكثر من ألفي جندي تونسي لحماية المقرات السيادية والمنشآت الحساسة والحيوية”.
ورأى مختار بن نصر، العميد المتقاعد بالجيش التونسي، أن “المطالب الشرعية العادية التي رفعها في بداية الاحتجاجات البعض من الأحزاب المعارضة تحولت إلى نوع من العصيان المدني”.
وتجلى العصيان المدني من خلال “عمليات السطو والاعتداء، طيلة 3 ليال متتالية، على الأملاك الخاصة والعامة ما دفع الجيش إلى التدخل في البعض من الأماكن لمعاضدة الجهود الأمنية من خلال الدوريات أو الانتصاب أمام بعض النقاط الحساسة والحيوية لمنع العناصر التخريبية”. ووفق بن نصر، فإن “البعض من المواطنين تعاطفوا مع الجيش والأمن وفهموا أن اللعبة (الاحتجاجات المصحوبة بالعنف) ترمي إلى إرباك المسيرات السلمية وتدمير البعض من المؤسسات فقاموا هم أيضا بمنع ذلك”.
وقال إن الاحتجاجات بدأت تحت مسمّى رفض قانون المالية وبدأت الأحد 7 يناير مسيرة عادية في شارع بورقيبة لترفع فيما بعد شعارات منافية للأخلاق وتمسّ برموز الدولة بينهم رئيس الحكومة (يوسف الشاهد) ورئيس الجمهورية (الباجي قايد السبسي)، قبل أن يفرقها الأمن”.
لكن الاحتجاجات تحولت، فيما بعد، إلى “أعمال عنف ليلية وقطع طرقات واستيلاء على الأملاك الخاصة وتدمير البنى التحتية للبعض من المراكز والسيارات الأمنية”، وفق العميد التونسي المتقاعد.
ومن هذا المنطلق، يضع بن نصر انتشار الجيش في إطار “الثقة التي تحظى بها المؤسسة العسكرية في الأوساط الشعبية، ما ييسّر عملها على الأرض”.
وتلاقي هذه الجزئية تأييدا من قبل المحلل السياسي التونسي نصرالدين بن حديد، الذي اعتبر بدوره “الجيش المؤسسة الوحيدة التي تحظى باحترام في العمق الشعبي ما يجعل استهداف عناصرها من قبل المحتجين أصعب بكثير مقارنة بقوات الأمن”.
البعض من المواطنين فهموا أن الاحتجاجات المصحوبة بالعنف ترمي إلى إرباك المسيرات السلمية وتدمير المؤسسات
إلا أن الثقة وحدها لا تفسّر اللجوء إلى نشر الجيش، وفق بن حديد، بل تلعب “تجربته في احتواء الوضع العام بالبلاد، حيث سبقت له تجربة في هذا السياق (خلال الثورة) وحقق نتائج طيبة”.
ورغم الدور الذي يلعبه الجيش في الحالات الطارئة بالبلاد، إلا أن محللين يخشون من احتمالات تأثير هذا الانتشار على جهود مكافحة الإرهاب.
واعتبر الباحث في علم الاجتماع هشام الحاجي أن انتشار الجيش “سيكون على حساب جزء من مكافحة الإرهاب”، مستدركا أن “الخطة (نشر محدود للجيش) اضطرت لها الحكومة لحفظ الأمن والحفاظ على الممتلكات وخاصة المنشآت الحيوية الحساسة من الناحية الأمنية والاقتصادية”. وتوسع العميد بن نصر في احتمالات تأثير الجيش على جهود مكافحة الإرهاب، لافتا إلى وجود انتشار عسكري على الحدود مع ليبيا “نظرا للوضع الأمني الإقليمي”، في إشارة إلى المخاطر الأمنية المرتبطة بالأزمة الليبية.
كما أشار بن نصر إلى “استمرار العمليات العسكرية التي تستهدف الإرهابيين في الجبال”، محذرا من أن الاحتجاجات الليلية التي تتخللها أعمال التخريب “من شأنها أن تجعل الإرهابيين يتحركون لتغيير مواقعهم وربما تعطيهم الفرصة للقيام بأعمال إرهابية”.
واستُهدفت تونس، منذ مايو 2011، بالعديد من الهجمات الإرهابية تصاعدت وتيرتها منذ 2013 وراح ضحيتها العشرات من رجال الأمن والعسكريين والسياح الأجانب.
واستبعد العميد بن نصر تدخل الجيش في العملية السياسية في تونس، مشددا على أن مثل هذا الأمر “مرفوض” تماما. وقال إن “الجيش التونسي واع وناضج وهو جيش جمهوري، وأثناء الثورة تعالت نداءات تدعوه للعب دور سياسي لكنه نأى بنفسه عن جميع التجاذب واختار أن يكون جيشا جمهوريا”.
واستحضر بن نصر المذكرة التي أرسلها الجيش، بداية الثورة، وعند تشكل المجلس الوطني التأسيسي (ديسمبر 2011) إلى المجلس طلب فيها إخضاع المؤسسة العسكرية لرقابة الديمقراطية وضبط مهامها في الدستور وخاصة منع تشكيل أي ميليشيات مسلحة غير الجيش والأمن والحماية المدينة والجمارك وأمن السجون.
وجاء الطلب استنادا إلى المادة 17 من الدستور التونسي والتي تنص على احتكار الدولة إنشاء القوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي، بالإضافة المادة 18 التي تنص على أن الجيش التونسي “جيش جمهوري يضطلع بواجب الدفاع عن الوطن وهو ملزم بالحياد التام”.
وأيد هذا الطرح بن حديد، محذرا – في الآن نفسه- من مساعي “البعض إلى تدخل الجيش في الشأن السياسي”.
وأوضح بن حديد “هناك مساع منذ 14 يناير 2011 لإدخال الجيش في اللعبة السياسية، غير أن تلك المساعي تصطدم بعوائق على مستويين: أولهما أن الجيش التونسي ليس بالقوة التي تمكنه من مسك البلاد سياسيا وأمنيا وعسكريا، وثانيهما وجود قيادات عسكرية بالجيش ترفض بشكل صارم دخول الجيش للحرم السياسي”.
أما الحاجي فيرى من جهته “أن الذين يفكرون في إدخال الجيش إلى اللعبة السياسية غير مطلعين على تاريخ تونس”.
وتابع “لا ننسى الدور الذي لعبه الجيش التونسي في 14 يناير 2011 في تأمين الانتقال الديمقراطي، وفي تأمين مدنية السلطة في الوقت الذي كان فيه الجيش هو الفاعل الأساسي في حفظ النظام”.