نظام يستفيد من مزايا الاتفاق بلا مقابل لشعبه والمنطقة
ترجح مصادر قريبة من البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يقر الاتفاق النووي الإيراني بعد تعليق التصديق عليه منذ حوالي ثلاثة أشهر، إلا أن هذه المصادر تنقل أيضا وجود جدل داخل الإدارة الأميركية حول ما إذا كان توقيت رفض الاتفاق النووي مع إيران مناسبا بالنظر إلى التطورات الحاصلة حاليا في هذا البلد.
وتدعم الولايات المتحدة الاحتجاجات المتواصلة في إيران بحماس أكبر من حلفائها الأوروبيين الذين يؤيدون الاتفاق النووي.
واعتبرت صحيفة فيننشيال تايمز البريطانية أن الاتفاق النووي الإيراني أصبح على المحك برفض الولايات المتحدة إقراره. وذكرت مراسلة الصحيفة كاترينا مانسون في تقرير لها من واشنطن أن ترامب لن يقر الاتفاق النووي الإيراني للمرة الثانية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية قوله “من غير المرجح بصورة كبيرة”، عندما سئل عما إذا كان ترامب سيقر الاتفاق للكونغرس قبل الموعد النهائي لذلك يوم 13 يناير الجاري.
وقال مايكل سينغ الخبير بالشؤون الإيرانية في معهد واشنطن ومدير شؤون الشرق الأوسط في إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش “مهما كان ما خططت له إدارة ترامب، فعليهم أن يعودوا إلى نقطة البداية في التخطيط لمرحلة الاتفاق النووي بالنظر لما يحدث الآن”.
وأجمع المحللان السياسيان الأميركيان ديفيد أولبرايت وأندريا سترايكر على أن الوقت يمر سريعاً، وأن الجانب الأوروبي والأعضاء الديمقراطيين يدركون جيدا أوجه القصور الخطيرة في الاتفاق النووي الإيراني.
وكتب أولبرايت وسترايكر في مقال مشترك بصحيفة واشنطن بوست أن الفرصة سانحة لصياغة السياسة المشتركة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي القادرة على إنقاذنا من الأزمة النووية المقبلة، والتي تتجه نحونا بأقصى سرعة.
غير أن ما نقلته الصحيفة البريطانية عن مصادر البيت الأبيض لا يوضح تماما ماهية القرار الذي سيتخذه ترامب في هذا الصدد. وتتحدث المعلومات عن أن متخصصين في القانون الدستوري في البيت الأبيض يدرسون من الناحية القضائية مسألة ما إذا كان انقضاء مهلة الـ90 يوما التي منحها ترامب للكونغرس لاتخاذ موقف تعني بطلان العمل باتفاق إيران مع مجموعة الـ5+1 أم أن ذلك يفتح الباب أمام مهلة 90 يوما جديدة.
وترى مراجع أميركية قريبة من وزارة الخارجية أن إسقاط الاتفاق النووي قد يكون له مفعول داعم للنظام السياسي في طهران لجهة الربط بين الموقف الأميركي المتوقع والمبرمج وفق أجندتي البيت الأبيض والكونغرس، وبين الحجج التي تدفع بها طهران، تدعمها في ذلك موسكو وأنقرة، لجهة اعتبار الحراك الشعبي الإيراني عملية يتم تحريكها من قبل “أعداء إيران في الخارج”.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف الجمعة إن الولايات المتحدة تبحث عن ذريعة لزيادة الضغط على إيران.
وأضاف “نحن لا نفهم ما الذي لا يناسب الجانب الأميركي في خطة الاتفاق النووي. فمحتوى الوثيقة معروف بشكل جيد، والجانب الأميركي يراقب كيفية تنفيذ الاتفاق، ويشارك في اجتماعات اللجنة المشتركة، وفي مناقشات أخرى”.
وكان الرئيس الأميركي قد رفض إقرار الاتفاق في 13 أكتوبر الماضي، وأدى ذلك إلى مساع حثيثة من حلفاء ترامب الأوروبيين، الذين يوافقون على الاتفاق.
وعلى الرغم من موقف ترامب الذي جاء استجابة لوعود كان أطلقها أثناء حملته لخوض الانتخابات الرئاسية واعتباره أن الاتفاق أسوأ اتفاق تبرمه واشنطن مع جهة أجنبية، فإن دول الاتحاد الأوروبي أعلنت تمسكها بالاتفاق بحكم عدم وجود بديل عنه لوقف تحول البرنامج النووي إلى أغراض عسكرية تصل إلى امتلاك إيران للسلاح النووي.
وأعلنت فريديريكا موغيريني، منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، تمسك “أوروبا” بالاتفاق النووي مع إيران مدعومة بمواقف مماثلة مستقلة صدرت عن باريس ولندن وبرلين وعواصم أوروبية أخرى.
وتطور الموقف الفرنسي باتجاه وجهة النظر الأميركية حين أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موقفا جديدا على هامش اجتماعات الدورة الـ72 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، قال فيه إن الاتفاق النووي لم يعد كافيا، مطالبا بآليات جديدة لضبط البرنامج الصاروخي الإيراني وببحث دور طهران الملتبس في الشرق الأوسط. وقد كرر ماكرون موقفه هذا أثناء زيارته لأبوظبي في نوفمبر الماضي.
غير أن مانسون في مقالها في الفايننشال تايمز ترى، مع ذلك، أنه إذا لم يوافق ترامب على الاتفاق وعلى إيقاف العقوبات ضد إيران الشهر الجاري، فإن ذلك قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق.
ولاحظ المقال أن الولايات المتحدة تدعم الاحتجاجات الأخيرة في إيران بحماس أكبر من حلفائها الأوروبيين الذين يدعمون الاتفاق النووي الإيراني.
ورأى مراقبون في هذا التباين في إيقاع الموقفين الأوروبي والأميركي من مسألة الاحتجاجات في إيران أعراض ضعف يظهره المجتمع الدولي مجددا إزاء الموقف من إيران.