الوجه الآخر للسلام
كرس مؤتمر الحوار الوطني السوري المنتظر عقده في المدينة الروسية سوتشي الانقسام العمودي بين الفصائل المسلحة، ومنصات المعارضة السياسية، الأمر الذي من شأنه أن يلقي بالمزيد من الظلال القاتمة على أداءهما في المعركة الدبلوماسية مع النظام.
وفيما لم تحسم الهيئة العليا للمفاوضات، الممثل الوحيد للمعارضة المعترف بها دوليا، موقفها بشأن المشاركة في سوتشي، أعلنت نحو 40 فصيلا مسلحا رفضها للحوار الذي سينعقد الشهر المقبل وترى فيه موسكو مدخلا لتسوية النزاع المستمر في البلاد منذ نحو سبع سنوات.
واعتبرت الفصائل في بيان لها أن رفضها المشاركة في هذا الاستحقاق يعود إلى عدم ثقتها في الجانب الروسي الذي هو جزء من الأزمة وشريك للنظام “في قتل السوريين”.
وفي مفارقة غريبة أن من بين الفصائل الموقعة على البيان من هي محسوبة على تركيا على غرار حركة أحرار الشام، وحركة نورالدين زنكي، والجبهة الشامية، وفيلق الرحمان، وجيش إدلب الحر، وتجمع فاستقم، ولواء السلطان سليمان شاه.
ومعلوم أن تركيا هي أحد رعاة وداعمي هذا الحوار الأمر الذي يطرح هنا أكثر من سؤال؛ فهل أن هذه الفصائل قررت التمرد وتقرير مصيرها بنفسها دون الرجوع إلى مرجعيتها الأساسية أم أن أنقرة قد أوعزت لتلك الفصائل باتخاذ هذا الموقف، في محاولة للضغط على روسيا للاستجابة إلى جملة من الشروط التركية كعدم دعوة الاتحاد الديمقراطي الكردي أو أي من الشخصيات المقربة منه؟
وإلى اليوم لم تبد الخارجية الروسية أو الكرملين أي موقف بشأن حضور الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي سبق وأكد أنه تلقى دعوة من روسيا وأنه يتطلع إلى حضور المؤتمر باعتباره مكونا رئيسيا في المشهد السوري، ولا يستطيع أي طرف إقصاءه.ومطالب تركيا من الجانب الروسي لا تنحصر في عدم إشراك الاتحاد الكردي الذي تعتبره تنظيما إرهابيا في المؤتمر، بل تتعداه إلى الرغبة في الحصول على ضوء أخضر من روسيا للتقدم صوب بلدة عفرين في محافظة حلب التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي، الذراع العسكرية للاتحاد الديمقراطي.
وترنو تركيا إلى تعزيز نفوذها العسكري في الشمال السوري للحيلولة دون تمدد الأكراد، ومنع أي تواصل بين كنتوناتهم، فضلا عن أن ذلك سيوفر لها ورقة إضافية لضمان حصتها من التسوية السورية.
ويقول خبراء إن روسيا تجد صعوبة في هضم المطالب التركية، ليس فقط لجهة أنها تؤيد طموحات الفئة السورية (الأكراد)، بل أيضا لاعتبارات أخرى من ضمنها الموقف الأميركي، فضلا عن أن الوحدات الكردية تسيطر عمليا على أكثر من ربع المساحة السورية وبالتالي لا يمكن بالمطلق إقصائهم من التسوية السياسية.
وبالإضافة إلى الفصائل المدعومة تركيا، وقعت فصائل معارضة محسوبة على واشنطن على البيان الرافض لسوتشي بينها الفصائل المقاتلة في الجنوب على غرار قوات الشهيد أحمد العبدو، ولواء فرسان حوران، وفرقة أسود السنة، وجيش أسود الشرقية، فضلا عن “لواء المعتصم” الناشط في شمال حلب.
ولم تبد الولايات المتحدة الأميركية أي موقف علني من سوتشي بيد أن هناك العديد من المؤشرات تؤكد أن لها تحفظات كبيرة عليه، ومن بينها تقليصها لحضورها الدبلوماسي في الجولة الأخيرة من مؤتمر أستانة الذي ترعاه موسكو والذي تقرر خلاله تحديد موعد عقد مؤتمر سوتشي في الـ 29 والـ30 من يناير المقبل.
وفي تعقيب عن سبب رفض المشاركة في سوتشي قال القيادي في “لواء المعتصم” مصطفى سيجري “إن من يريد أن يلعب دور الوساطة والضامن في المسألة السورية يجب أن يتمتع بالحيادية والإنصاف والصدق في دعم الانتقال السياسي، وهذا ما لا يتحقق في الجانب الروسي”. وأضاف “هم شركاء في قتل الشعب السوري وداعمون لإرهاب (الرئيس السوري بشار) الأسد”.
ويرى مراقبون أن رفض الفصائل المشاركة في حوار سوتشي لا يمكن حصره فقط في أنه جاء استجابة للدول الداعمة لها، بل إن هناك اعتبارات عديدة تجعل من الفصائل المسلحة على وجه الخصوص ترفض هذه المبادرة الروسية، فموسكو تعد شريكا رئيسيا في الصراع الدائر في سوريا، وحتى الآن لم تكشف عن رغبة فعلية في الضغط على النظام للقبول بتسوية سياسية عادلة.
ويشير هؤلاء إلى أن الفصائل المسلحة وعلى خلاف المعارضة السياسية (معظمها خارج أرض سوريا) محكومة بالبيئة والحاضنة الاجتماعية الموجودة فيها، وأي تنازل قد يؤلب عليها تلك البيئة خاصة إذا لم تكن هناك أي تنازلات على الجهة المقابلة.
وكانت الخارجية الروسية قد رسمت خطوطا حمراء أمام المعارضة المشاركة في سوتشي حين قالت إنها لن تسمح برفع أي شعار على أرضها يطالب برحيل الرئيس بشار الأسد، وهذا مؤشر سيء حتى بالنسبة للمعارضة السياسية التي لم تصدر موقفا حتى الآن، منتظرة ضمانات ليكون سوتشي جزءا من العملية السياسية الدائرة في جنيف وليس بديلا عنها.
ودعا مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الثلاثاء إلى وجوب عقد مؤتمر الحوار السوري المزمع إجراؤه في مدينة سوتشي الروسية، برعاية الأمم المتحدة.
وكانت دمشق قد أعلنت نيتها المشاركة في المؤتمر في سوتشي، فيما انتقدت مرارا سير المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف.
ومن المرتقب أن يطرح على طاولة سوتشي التي تأمل روسيا في أن تضم نحو 1700 شخصية سورية من المعارضة ومن النظام، تشكيل لجنة دستورية تتولى مهمة صياغة دستور جديد لسوريا يكون المرتكز لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية.
ويرى مراقبون أن المعارضة السورية قد تجد نفسها في الأخير مضطرة إلى الحضور إلى ستوشي في حال توصلت القوى الدولية إلى اتفاقات بشأن تفاصيل الحل السوري، وهو ما تعمل عليه روسيا التي ورغم أنها الطرف الأقوى في المعادلة السورية إلا أنها لا تستطيع تجاوز قوى مثل الولايات المتحدة في هذا الملف.
والثلاثاء أعلنت وزارة الدفاع الروسية بدء تشكيل قوات دائمة لها في سوريا، وقال الوزير سيرغي شويغو إن هذه القوات ستعمل في قاعدتي طرطوس وحميميم.
وهذه الخطوة الروسية كانت متوقعة حيث أن من الأسباب الرئيسة التي دفعت روسيا إلى الانخراط مباشرة في النزاع السوري في العام 2015، حماية قاعدة طرطوس وإضافة ثانية وهي حميميم لضمان مصالحها في البحر المتوسط، ولكن ما لم يكن متوقعا أن تتحول إلى اللاعب رقم واحد في الساحة السورية، والطرف الفيصل في النزاع المستمر منذ 2011.