جنوب العرب - جنوب العرب - بيروت - كمال خلف
كان متوقعا أن يشهد إقليم كردستان العراق تداعيات جراء فشل محاولة الانفصال عن العراق عبر الاستفتاء الذي نظمه الإقليم في في 25 سبتمبر/أيلول والذي انتهت مفاعيله في 16 أكتوبر، مع دخول الجيش العراقي وحسم شكل السيطرة على كركوك المصدر الأساسي لنفط الإقليم الذي أمن له دخلا ماليا أسهم في ازدهاره حتى في سنوات الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق.
لم يكن تعنت رئيس الإقليم أن ذاك مسعود البرزاني في إجراء الاستفتاء رغم معارضة حكومة المركز في بغداد ومعها دول الجوار الإقليمي، سوى مدخل لتداعيات بدأت تظهر أعراضها في الإقليم الكردي وصولا للمشهد الحالي.
إذ اندلعت التظاهرات في السليمانية ومناطق مختلفة من اربيل، احتجاجا على سياسية التقشف التي اتبعتها حكومة الإقليم ، على إثر تردي الوضع الاقتصادي الذي كان يحسد عليه الإقليم في سنوات سابقة ورفع المتظاهرون شعارات باللغات الكردية والعربية والإنجليزية جاء فيها (نريد رواتبنا)، و(ارحل).
وتكمن أسباب هذا الضيق الاقتصادي في قرار رئيس الإقليم المستقيل مسعود برزاني المضي قدما في إجراء الاستفتاء، وهو ما جعل الحكومة المركزية في بغداد توقف مرتبات الموظفين و موازنة الإقليم وتسيطر على المعابر الحدودية، كما أسهم إغلاق المعابر الحدودية مع إيران وتركيا وايقاف رحلات الطيران منها واليها ردا على تعنت برزاني في انهيار الوضع الاقتصادي في الإقليم.
وبرزت قضية الفساد والأرقام الخيالية من عائدات عقود النفط التي وقعها رئيس الإقليم بعيدا عن الحكومة المركزية في بغداد ، كإحدى القضايا المفجرة للشارع الكردي.
وبعد أن دخلت التظاهرات أمس يومها الثالث قتل خمسة محتجين برصاص قوات الأمن في بلدة رانية بمحافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق، وأُصيب نحو 80 شخصا، وهو ما تسبب في تصدعات في شكل الحكم القائم في الإقليم ، ودفع بعض أحزاب كردستان الخمسة إلى إعادة الاصطفاف، تمهيدا لخارطة سياسية جديدة قد يفضي اليها الحراك الشعبي.
ونفذ حزب التغيير الكردي الكردستان (كوران) تهديده وأعلن انسحابه من حكومة إقليم كردستان العراق كما قدم يوسف محمد، العضو بالحزب، استقالته من رئاسة برلمان الإقليم.
وفي نفس الوقت انسحبت الجماعة الإسلامية في كردستان (كومال) من الحكومة في تنسيق واضح مع ( كوران ) ، في الوقت الذي نادت فيه بعض الأحزاب الكردية بعد أن احرق المتظاهرون العديد من مقراتها إلى تشكيل حكومة انقاذ بشكل عاجل، بينما طرح آخرون العودة إلى نظام الإدارتين في اربيل و السليمانية، وبرزت أصوات تدعوا إلى الذهاب إلى انتخابات مبكرة عوضا عن طرح مايهدد وحدة الإقليم.
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي يزور فيه رئيس وزراء إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني العاصمة الألمانية برلين، حيث جدد بارزاني خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، استعداد حكومته لحل المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل في إطار الدستور العراقي، مؤكدا أن “حل المشاكل العالقة بحاجة لإرادة قوية”.
ودخلت بغداد على خط الأزمة في كردستان العراق، ولوح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالتدخل لحماية المحتجين في إقليم كردستان ،وقال العبادي -في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء- إنه لن يقف موقف المتفرج إذا ما حصل قمع أو اعتداء أو خرق ضد المواطنين في إقليم كردستان العراق وسيحاسب المتسببين في ذلك.
وأضاف العبادي أن هناك تنسيقا بين حكومة بغداد وحكومة كردستان لضبط الأمن هناك، مؤكدا أن من واجب الحكومة العراقية حماية المتظاهرين وحرية التعبير في أي مكان بالعراق.
من جهته أبدى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعمه للتظاهرات وقال في بيان: “صحوة أخرى وخطى شعبية حثيثة نحو قلع الفساد والفاسدين والعمل من أجل الإصلاح في محافظتنا العزيزة السليمانية، ومقتضى الحرية والديمقراطية أن يعبر الشعب بشتى أنواع الاحتجاج السلمي”، داعيا إلى حماية المتظاهرين.
وفي أجواء ولادة أحزاب كردية جديدة لديها طموحها في لعب دور سياسي في الإقليم خارج إطار الأحزاب التقليدية الخمسة ، يبدو المشهد في الإقليم مقبل على تغييرات جذرية ستترك اثرها على مستقبل الإقليم العراقي.