يعتبر طرفة بن العبد ( تقريبا 543 م _ 569 م ) من أبرز شعراء الجاهلية . عاش في بيئة بدوية صحراوية قاسية ، تنتشر فيها الصراعات القبلية ، والموت موجود في كل لحظة ، وله حضور دائم في الوعي الجمعي ، والحياة قصيرة ، فانعكس هذا على رؤيته للحياة والشباب . وهو يرى أن الشباب مرحلة عابرة لا تستحق التقشف أو الادخار ، ويدعو إلى استغلالها في المتعة واللذة قبل أن يداهم الموت الإنسان، وفي هذا إشارة إلى نهاية الإنسان ، وحتمية الموت، وضياع الشباب . لذلك كانت نزعته شهوانية لذائذية ، ورؤيته العامة عبثية ومادية ومتمردة ، تدعو إلى اغتنام المتعة واللذة، لأن الحياة قصيرة ، والشباب لا يدوم ، والموت لا مفر منه ، خاصة في ظل شعوره بقصر عمره ، حيث قتل في ريعان شبابه .
نظر إلى الشباب باعتباره مرحلة قصيرة ، ينبغي أن تقوم على الاستمتاع والتمرد ، ورفض الانصياع للمجتمع أو القيود الاجتماعية ، فهي فرصة وحيدة لتذوق اللذة قبل الفناء السريع الذي يمثله الموت . وهو يرى أن الشباب ضائع بالضرورة ، فلا جدوى من الخوف ، ولا فائدة من القلق ، بل يجب الانغماس في ملذات الحياة ، وهو بذلك يعبر عن فلسفة حياتية تميل إلى العبث ، والاحتفال بالجسد، وتعظيم الغرائز .
عبر عن إحساسه بالغربة والضياع ، ليس فقط من خلال تمجيد الماضي وبعده عن متناول اليد ، بل أيضا من خلال التفكر في الفوضى الاجتماعية والسياسية التي كانت تعيشها قبيلته .
عاش فترة شبابه متأرجحا بين الحياة والموت ، مواجها مصير الفناء ، وهو ما يعكسه شعره الذي يجمع بين استذكار جمال الشباب والتعبير عن فقدان الأمل في المستقبل ، بسبب تآكل الأحلام وتبددها . هذا التأرجح بين اليأس والمقاومة يدل على فلسفة الشاعر الوجودية ، ويشير إلى صراع دائم بين الرغبة في البقاء والتحدي والمصير المحتوم .
دار الشاعر في فلك الموت، وهذا دفعه إلى الشعر في محاولة للتعبير عن حياته القصيرة المليئة بالصراع والمعاناة والألم . وكان يرى أن الموت لا يأتي إلا بعد أن يصل الإنسان إلى ذروة شبابه وأحلامه . وقد أظهر حسرة مريرة على ضياع الشباب ، وعدم التمتع به ، وكأن العمر انتهى قبل أن تبدأ الفرص الحقيقية . كما أظهر حزنا شديدا على الزمان الذي مضى سريعا دون أن يترك له الفرصة للاستفادة من طاقته وحيويته . بل ويظهر في شعره استشرافه للموت المبكر ، وهو ما يتماهى مع حياته القصيرة التي انتهت بالقتل .
ويعتبر جون كيتس ( 1795 م _ 1821 م ) من أبرز شعراء الحركة الرومانتيكية الإنجليزية. كان مهووسا بالجمال والزمن والفناء، ومعروفا بحدة تأمله في ضياع الشباب والموت المبكر. وقد توفي شابا بمرض السل ، ولم يحظ في حياته إلا بالتجاهل والاحتقار من قبل النقاد والشعراء ، وعاش معذبا بين المرض والنقد .
كان يرى أن الشباب ضحية الزمن ، وأن الجمال هش وعابر ، لكنه لا يدعو إلى المتعة الجسدية بقدر ما يحتفي بالجمال الفني الخالد . ورؤيته العامة ذات طبيعة فلسفية ومثالية ، تعكس حزنا عميقا ، وتأملا في معنى الحياة ، لكنها تسعى إلى الخلود من خلال الفن لا المتعة .
اعتمد أسلوبا رمزيا معقدا ، ولغة موسيقية رقيقة تعج بالصور الفنية الرمزية والمجاز ، وغالبا ما يستدعي عناصر من الطبيعة والفن ، ويستلهم من الأساطير ، ويجعل من الطائر أو المزهرية أو الربيع رموزا للشباب العابر ، أو الخلود المنشود . وقد عبر في شعره عن رغبته في الهروب من الواقع عبر الجمال ، لأنه يدرك أن شبابه وصحته في طريقهما إلى الزوال .
والشباب عنده ليس وقتا للمتعة العابرة ، بل لحظة سريعة من الجمال الباهر، يطمح إلى تخليده عبر الشعر ، لأنه يعلم أنه لن يبقى طويلا ليعيش هذا الجمال بنفسه ، ولن يعيش طويلا ليشهد تحولات الزمن. لذلك كان يركز على التأمل في الجمال والفناء كأمرين مترابطين ، فالشباب بالنسبة إليه هدية مؤقتة ، مثل لحظة جمال في لوحة فنية .
عبر عن رؤيته للأشياء العظيمة التي تحدث في الحياة ، وأيقن أن وراء كل شيء عظيم هناك الفناء الذي ينتظر الجميع . ورأى في موت الشباب جزءا من دورة الحياة . وكان يحزن على ضياع الفرص ، وعلى فترة الشباب التي غالبا ما تمر سريعا دون أن يحقق الإنسان كل ما يرغب به .
ومفهوم " ضياع الشباب " يظهر عادة في سياق الحزن على مرور وقت لا يعود ، والتأمل في تلك الفترة الذهبية التي تتسم بالحيوية والطموح ، ثم التلاشي السريع لهذه الفترة بعد ملاقاة الإنسان للصعوبات والمآسي. وهذا المفهوم لا يرتبط بمرور الزمن فحسب، بل أيضا يرتبط بمشاعر الخيبة والندم بسبب عدم القدرة على الاستفادة الكاملة من هذه المرحلة .
رغم التباين الزمني والثقافي بين طرفة بن العبد وجون كيتس ، فإنهما يتشاركان الشعور العميق بضياع الشباب . كل من زاويته . طرفة يواجهه باللذة ، والتمرد ، والانغماس في المتعة الجسدية ، بينما يتأمله كيتس بالحزن ، والألم ، والبحث عن الخلود الفني ، وتخليد اللحظة الجمالية . ومن خلال شعرهما ، يتضح أن الشعور بضياع الشباب وفنائه قضية إنسانية تتجاوز الزمان والمكان . والجدير بالذكر أن الشاعرين توفيا ولم يبلغا سن السادسة والعشرين من العمر .