تغييرات مرتقبة لقيادات فاغنر وآليات جديدة للتعامل معها.
برز ملف فاغنر في ليبيا مؤخرا بشكل بارز عقب اندلاع المواجهات المسلحة في السودان، والمخاوف من انتقالها إلى الجنوب الليبي. ومع مقتل زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين سالت جملة من التكهنات بشأن مصير القوات شبه العسكرية الروسية المتواجدة في أفريقيا وخاصة في ليبيا.
أثار مقتل زعيم شركة فاغنر الأمنية يفغيني بريغوجين نتيجة تحطم طائرة خاصة كان يستقلها في منطقة تفير الروسية عدة تساؤلات بشأن مستقبل عناصر الشركة في عدة دول أفريقية من بينها ليبيا.
وتمثل ليبيا ثاني الدول العربية التي ينتشر فيها عناصر فاغنر بعد سوريا، وفق مراقبين.
وينشط عناصر فاغنر في ليبيا حاليا ما بين مدينتي سرت (450 كلم شرق طرابلس) ويتمركزون في قاعدة القرضابية الجوية ومينائها البحري، بالإضافة إلى قاعدة الجفرة الجوية، وتمددوا إلى الجنوب الغربي حيث تمركزوا في قاعدة براك الشاطئ الجوية (700 كلم جنوب طرابلس).
ورغم المطالبات المتكررة من الفرقاء الليبيين وكذلك لجنة “5+5” العسكرية بإخراج المرتزقة الأجانب وعلى رأسهم فاغنر من بلادهم، إلا أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع.
وقبل يوم واحد من تحطم الطائرة التي كان قائد فاغنر على متنها، زار نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف مدينة بنغازي والتقى القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، وفق بيان مقتضب نشرته قوات الشرق الليبي.
ووفق مراقبين ليبيين، فإن الزيارة عززت فرضية أن موسكو بدأت فعليا في إرسال رسائل طمأنة لكل الحلفاء بأن قوات فاغنر ستكون تحت رقابة موسكو.
ويقول الخبير العسكري الليبي عادل عبدالكافي إن زيارة نائب وزير الدفاع الروسي إلى بنغازي “جاءت في إطار نقل المعطيات إلى خليفة حفتر بشأن التغييرات المرتقبة للقيادات الجديدة لفاغنر وآليات التعامل معها”.
وأضاف أن روسيا “مستمرة في دعم مجموعات فاغنر الموجودة في ليبيا وتنفيذ خططها التي تسعى لها بالتمدد إلى دول أخرى كالسودان وتنفيذ انقلابات في عدة دول أفريقية وآخرها كان في النيجر، وإسقاط أنظمة موالية للولايات المتحدة وفرنسا واستبدالها بأنظمة موالية لروسيا”.
ورأى عبدالكافي أن حفتر “تجاوز التحذير الأميركي بشأن التعامل مع فاغنر بعد زيارة نائب وزير الدفاع الروسي الأخيرة إلى بنغازي”.
وأضاف أن “يفكيروف طلب من حفتر تأمين خطوط الإمداد لعناصر فاغنر المتواجدين في بعض القواعد العسكرية”.
وأردف عبدالكافي أن “إصرار حفتر على التحالف مع فاغنر هو نتيجة لسعيها للتمدد في عدة دول أفريقية، وهذا واضح من خلال خارطة تمركزها في بعض الدول ومنها ليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى ومالي”.
ولفت إلى أن “كل هذه الدول تجمعها حدود مشتركة لذلك ستكون تشاد هي الهدف القادم لفاغنر وروسيا حتى تكتمل الخطوط”.
وتدور منذ أيام اشتباكات على الحدود بين القوات التشادية ومجموعات المعارضة المسلحة التي تتواجد داخل الأراضي الليبية، ما يثير قلق الأطراف الليبية من امتداد النزاعات في السودان ومالي وتشاد إلى بلادهم.
وكشف عبدالكافي أن “عدد مقاتلي فاغنر الموجودين في ليبيا يصل إلى ما بين 2000 و2500 عنصر، وهم منتشرون في عدة مواقع وقواعد عسكرية ويمتلكون طائرات ‘ميغ – 29’ ومنظومات الدفاع الجوي”.
حفتر يرى في روسيا ضامنا وحليفا ضد أي ضغوطات غربية قد تمارس ضده للانصياع لأي تسوية سياسية
ومن جانبه قال المحلل السياسي الليبي فرج فركاش إن “فاغنر ليست مجموعة عسكرية فقط بل تمثل مجموعة شركات أعمال وتجارة ومال واستثمارات وتنقيب”.
وأضاف أن “فاغنر استطاعت التغلغل في العديد من الدول الأفريقية وبعض الدول الأوربية وتحصل على مردودات سخية مقابل خدماتها”.
وأردف فركاش “لذلك ليس من صالح روسيا التخلي عنها بهذه السهولة، وما حصل مؤخرا (مصرع بريغوجين) هو فقط محاولة لتغيير قيادة فاغنر وإعادة ترتيبها”.
وأشار إلى أن “زيارة نائب وزير الدفاع الروسي إلى بنغازي تمثل البداية لحملة تغيير القيادة التي أصبحت عبئاً على بوتين ونظامه”.
واعتبر فركاش أن الزيارة “بمثابة إعلان من وزارة الدفاع الروسية أنها الآن تتبنى بصورة مباشرة مواصلة دعم هذه المجموعة التي قد تغير اسمها وهيكليّتها”.
وتوقع فركاش أن “تصبح المجموعة أكثر تنظيما وأكثر ولاء لوزارة الدفاع الروسية ولأهداف روسيا في أفريقيا، خاصة في دول الساحل والصحراء حيث تعتبر ليبيا الآن منصة انطلاق مهمة وإستراتيجية من خلال ربطها بقواعد روسيا المعروفة في سوريا”.
واعتبر فركاش أن حفتر “حليف تقليدي وطبيعي ومن النوع الذي يتماشى مع سياسات روسيا”.
وأضاف أن حفتر “يرى بأن روسيا هي الحليف الطبيعي خاصة في موضوع التسليح والتدريب، لأن معظم الأسلحة المتواجدة في ليبيا هي روسية الصنع والمنشأ”.
وتابع فركاش “ربما يرى حفتر في روسيا داعما أيضا لطموحاته السياسية”.
وأشار إلى أنه “قد يرى في روسيا ضامنا أيضا وحليفا ضد أي ضغوطات غربية قد تمارس ضده مستقبلا للانصياع لأي تسوية سياسية”.
ولفت فركاش إلى أن “المعضلة المتبقية لدى روسيا وحفتر هي شرعنة التواجد الروسي في ليبيا، لذلك لن تجد أي اتفاقيات موقعة بين الجانبين أي اعتراف دولي أو أممي”.
ورُصد مقاتلو فاغنر في ليبيا لأول مرة في خريف 2019، عندما انضموا إلى صفوف الجنرال حفتر في هجومه للسيطرة على العاصمة طرابلس، حيث أحدثت خبرتهم في القتال فرقا ميدانيا، وبمساعدتهم تمكنت قوات حفتر من التقدم إلى بعض الضواحي الجنوبية لطرابلس قبل أن يتم هزيمتها.
ولطالما أنكرت روسيا أي وجود عسكري لها في ليبيا، إلى أن أقر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال تصريحات صحفية في مايو 2022 بوجود فاغنر هناك “على أساس تجاري”، كشركة أمنية خاصة لديها عقود مع السلطات في طبرق.
ويرى مختصون ومتابعون أن ملف فاغنر في أفريقيا لن يتأثر بمقتل زعيمها.
ويقول الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إفري) والمتخصص في الشأن الأفريقي تييري فيركولون “نشأت التوترات مع الكرملين على الجبهة الأوكرانية وليس في أفريقيا، حيث على العكس من ذلك، هناك توافق بين مصالح فاغنر والدولة الروسية”.
وأضاف فيركولون “تعتبر المجموعة شبه العسكرية رصيدا إستراتيجيا لروسيا، وسيكون من غير المناسب مقاطعة أنشطتها في وقت كانت فيه إحدى الأدوات الرئيسية لدبلوماسيتها”.