خواطر في الصحراء: الجالية السمراء

السبت 03 يوليو 2021 9:04 م

ثمة ظاهرة سوف نسمّيها، لغاية الاختصار، «الجالية الثانية». لأن تعدادها هو غالباً التالي بعد أبناء البلد في الخليج. وكذلك ولاؤها ووفاؤها وسلوكها. هل السودانيون، المنتشرون هنا، منذ عقود «جالية» أم «أسرة» أم مكوِّن اجتماعي لا ضرورة لتسميته أو تصنيفه أو فصله عن هذه البلاد التي صار منها وصارت منه؟
إنهم كثيرون هنا، لكنك لا تلحظ وجودهم. يختلفون في السودان، لكن لا تسمع أصواتهم هنا. وإذا ما سألت الحاج عم عوضين، عن رأيه فيما يحدث في الخرطوم كان التهرب من الجواب جاهزاً وضاحكاً وقاطعاً للسؤال التالي: «ما هو كلو زي بعضه». لا يَرِد اسم سوداني في صفحة «الحوادث» أو زاوية الشكاوى أو القضاء. وإذا سألت الحاج عم عوضين عن السرّ، قال: «ما هو كله زي بعضه. المهم اليوم الآخر. هنا دنيا فانية مالهاش عازة». وأحاول إقناع الحاج بأن يمهلنا قليلاً في تصريف اليومين دول، فيضحك عالياً: «خذ راحتك».
عاش الأرمن في لبنان كل مشكلاته وحروبه وعصبياته وسخافات بنيه الأعزاء. وعاشوا موجات النزوح واللجوء من وإلى وإن وعلى. ولكن مثل السودانيين ببشرة مختلفة، لا تسمع عن جانٍ أو جناية، أو مخالفة سير في بلد يرتكب كل مخالفات الكون في الطريق من البيت إلى المكتب. والباقي في طريق العودة.
للسودانيين (والأرمن) أحزاب وجماعات وشيوعيون ويسار. لكن كله يبقى في الوطن الأم. هنا يرفع الحاج عوضين شعار «كل غريب أديب». ولا يناقش مع «هضرتك» المواضيع الحساسة «عشان كله كلام فاضي. هنا، كلّو كلام فاضي. المهم الآخرة». وأعود وأستمهل العم الحاج، قليلاً: «مش تمرّق لينا اليومين دول، يا حاج»، ويسارع الحاج إلى الموافقة. والسبب أنني «زول ابن حلال والحمد لله».
يأتي العالم برمّته إلى هنا للعمل. يأتون من جميع الأرض. يعملون للآخرة كما يفعل السودانيون، أو لشراء الكرافتات كما يفعل اللبنانيون، لكن ما من بقعة في الأرض تشارك أهل الأرض في مداخيلها وخيراتها مثل هذه البقعة. ربما فقط أميركا في القرن الماضي، حيث تدفق المهاجرون بأرقام خيالية. فالشرط الأول للهجرة إلى الرخاء. وحتى الآن تفضل إيران حصر مشاركتها في المسيرات اليومية، أو في استعراضات باب المندب حيث تتحرش الزوارق بحاملات الطائرات، أو حيث يرعب تحالف إيران – فنزويلا المنافسة الاقتصادية في العالم، مهدداً بجميع الخطب، بينما يقدم البنك الدولي للدول المحتاجة مساعدات بقيمة تريليون دولار؛ ألف ألف مليار.
إلى اللقاء...

التعليقات