لبنان ليس بخير
اعتبرت أوساط سياسية لبنانية اللقاء الذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون، والذي انعقد الخميس في قصر بعبدا الرئاسي، بمثابة نصف نجاح لمحاولة حزب الله منعَ أيّ نقاش يتعلق بموضوع سلاحه.
وأوضحت هذه الأوساط أنّه إذا كان اللقاء نجح في شيء، فقد نجح في تكريس الانقسام بين اللبنانيين بشأن مستقبل سلاح حزب الله الذي يرى فيه كثيرون، خصوصا أهل السنّة، أساس كل المصائب التي حلّت بالبلد الذي يعاني من انهيار اقتصادي لا سابق له.
واعتبرت هذه الأوساط أنّ الحزب نجح نسبيا في إخراج سلاحه من أيّ نقاش بعدما تجاهل البيان الختامي الصادر عن اللقاء أي إشارة إلى سلاح الحزب أو إلى الدور الذي يلعبه في توريط لبنان في الحرب الدائرة في سوريا.
ولاحظت في هذا المجال أن البيان الختامي تجاهل أيضا الدور الذي لعبه حزب الله في جعل أزمة لبنان جزءا من الأزمة السورية مع ما يعنيه ذلك من تأثّره بـ”قانون قيصر” الذي يفرض عقوبات على كلّ من يتعاطى مع النظام السوري.
لكنّ هذه الأوساط السياسية رأت في المقابل أن حزب الله، على الرغم من كل ما أظهره رئيس الجمهورية من استعداد لمساعدته في التغطية على سلاحه، فشل في توفير إجماع على سلاح الحزب في ضوء المقاطعة السنّية شبه الكاملة للقاء بعبدا وفي ظل انقسام مسيحي واضح وعميق.
ولاحظت أن الرئيس أمين الجميل ونجله سامي رئيس حزب الكتائب قاطعا لقاء بعبدا، كما قاطعه سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية الذي لديه كتلة من 15 نائبا مسيحيا في مجلس النوّاب اللبناني.
وأشارت الأوساط السياسية التي تابعت لقاء بعبدا إلى أنّ تهويل رئيس الجمهورية ميشال بـ”حرب أهلية” كان بمثابة استخفاف بعقول اللبنانيين.
وتساءل نائب لبناني في هذا المجال كيف يسمح رئيس الجمهورية بالحديث عن وصول البلد إلى شفا حرب أهلية، في حين أنه معروف تماما مَن أطلق شعارات مذهبية من نوع “شيعة، شيعة، شيعة” وشتم السيدة عائشة زوجة النبي محمّد؟
وأضاف هذا النائب أنّ كلام رئيس الجمهورية عن الخوف من حرب أهلية يكشف رغبة في تغطية ممارسات حزب الله، بما في ذلك تدميره قسما من وسط بيروت في وقت يغرق فيه لبنان في أزمات متعددة الجوانب يصعب عليه الخروج منها في ظلّ بقاء عون في رئاسة الجمهورية.
وكانت تصريحات عون بشأن الحرب الأهلية تشير في جانب منها إلى مواجهات دارت في بيروت هذا الشهر ونكأت جروحا طائفية قديمة بين الشيعة والمسيحيين وبين الشيعة والسنة.
وتجمّع العشرات من المتظاهرين وسط إجراءات أمنية مشددة على الطريق المؤدي إلى القصر الجمهوري خلال اللقاء، ونددوا بمضمونه بعدما شهدت عدة مناطق خلال الأشهر القليلة الماضية اعتداءات على متظاهرين سلميين، دون أن تحرّك السلطات ساكنا.
وانتقد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي عنوان الاجتماع. وغرّد أحدهم، يدعى حمزة، “انهيار اقتصادي، انهيار منظومة مصرفية، دولار يطير.. فقر حاد وكورونا. ما الحلّ؟ لقاء في بعبدا لنؤكد على السلم الأهلي ودرء الفتنة!”.
وقال عون “قد لامسنا أجواء الحرب الأهلية بشكل مقلق، وأُطلقت بشكل مشبوه تحركات مشبعة بالنعرات الطائفية والمذهبية”.
وأضاف أن هناك من يستغل غضب الناس ومطالبهم المشروعة لتوليد العنف والفوضى، من أجل تحقيق “أجندات خارجية مشبوهة”، بالتقاطع مع مكاسب سياسية لأطراف في الداخل (لم يسمها).
وجاءت الدعوة إلى اللقاء على خلفية تحركات غاضبة استمرت أربعة أيام قبل أسبوعين، تخللها تكسير واجهات محال ومصارف ومواجهات مع القوى الأمنية خصوصا في بيروت وطرابلس، بعدما تخطى سعر صرف الليرة في السوق السوداء عتبة الخمسة آلاف ليرة، ثم ارتفع مجددا هذا الأسبوع ليتجاوز الستة آلاف.
وفي بداية اجتماع بالقصر الرئاسي، لفت عون إلى أن “اللقاء الوطني اليوم يحمل عنوانا واحدا، وهو حماية الاستقرار والسلم الأهلي، في ظل التطورات الأخيرة”.
من جهته، قال رئيس الحكومة حسان دياب “البلد ليس بخير، كيف يمكن أن يكون الوطن بخير وهناك مواطن يجوع (…) العلاج هو مسؤولية وطنية، ليس فقط مسؤولية حكومة جاءت على أنقاض الأزمة”.
وتولت حكومة دياب السلطة في 11 فبراير الماضي، بعد أن أجبر المحتجون حكومة الحريري على الاستقالة، في 29 أكتوبر الماضي.
وأضاف دياب “نمرّ بمرحلة مصيرية من تاريخ لبنان، تحتاج منّا إلى تضافر الجهود، وتقديم مصلحة البلد، لنتمكّن من تخفيف الأضرار، التي قد تكون كارثية.. ليس لكلامنا أي قيمة إن لم نترجمه بأفعال”.
وقال رؤساء الوزراء السابقون الحريري ونجيب ميقاتي وتمام سلام إن التهديد الحقيقي للاستقرار ربما يأتي من تدهور الوضع الاقتصادي والمالي ”وهذا مما لا يُجْبَهُ باجتماعات فضفاضة لا جدول أعمال واضحا لها”.
واعتبر هؤلاء في بيان الاثنين أن دعوة عون للّقاء “تشكل مضيعة لوقت الداعي والمدعوين في وقت تحتاج البلاد (…) إلى مقاربات مختلفة لانتشالها من الأزمة الحادة”.
وبرزت في الأيام الأخيرة انتقادات حادة لأداء عون والحكومة في مواجهة الأزمة الاقتصادية، جراء العجز عن اتخاذ أي إجراءات عملية.
واعتبر رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي كان شريكا في التسوية السياسية التي أوصلت عون إلى سدة الرئاسة، في مؤتمر صحافي الأربعاء أنّ “الحل الوحيد هو أن ترحل المجموعة الحاكمة وتتنحى جانبا لتترك غيرها يقوم بإنقاذ البلاد”.