أمير الرياض يكرر: تحدث حتى أراك

الثلاثاء 11 فبراير 2020 9:13 ص
مدينة الرياض أكبر مدن المملكة، يعيش فيها نحو ستة ملايين نسمة، وهي العاصمة الإدارية لمنطقة الرياض التي تضم 22 محافظة بإجمالي يصل إلى 8 ملايين نسمة. منطقة كهذه، تحتاج على رأسها إلى حاكم ديناميكي، كثير الحركة والتجول في منطقة تمثل ربع مساحة المملكة. ومدينة الرياض، منذ توحدت المملكة تحت اسم المملكة العربية السعودية، لها خاصية تختلف عن بقية المدن، في كونها العاصمة والمركز الإداري لدولة ثقيلة الوزن، والعواصم واجهة البلدان. ولأن المملكة تعيش فترة تحولات هائلة اقتصادياً وتنموياً، فهذا يعني أن مواكبة التغيرات وتنفيذها أمر لا خيار فيه، طالما أصبح التطور والتحول خطة استراتيجية للدولة. ويمكن لزائر الرياض ملاحظة أن المدينة أشبه بورشة عمل؛ في مشاريع الطرق والنقل ومراكز الأعمال والترفيه.
مثل هذه المدينة تحتاج إلى مسؤول يحيط بكل مجريات المدينة والمحافظات التابعة لها، لكنه لا يرجم بالغيب وليس مأموراً بذلك؛ هو مثل كل إنسان، يعمل وفق معطيات ويفصل بين القضايا ويدير من هم تحت رعايته بعد اطلاعه وفهمه لما يدور حوله.
أمير الرياض الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز تجده حاضراً في كل مناسبات منطقة الرياض المتعلقة بمشاريع الخدمات كالتعليم والصحة والطرق، وأيضاً المناسبات المتعلقة بالمشروعات الثقافية، هذا واجب كل مسؤول، فهو مؤتمن والأمانة ليست خفيفة. لكن ميزة الأمير فيصل التي تابعناها في أكثر من حدث، أنه رغم ما يتسم به من وقار، وهدوء، ونبرة صوته المنخفضة، فإنه لا يعرف المجاملة أو محسنات الكلام حينما يأتي الأمر عند شبهات فساد أو إهمال أو سوء خدمة. كان له زيارة العام الماضي إلى جامعة الملك سعود لافتتاح كلية التمريض، ولأن حضور أمير المنطقة يرافقه موكب من السيارات، حجبت إدارة الجامعة مساحة مواقف السيارات عن الطلاب مما اضطرهم للمشي مسافات طويلة للوصول إلى كلياتهم. هذا ما غرد به طالب في موقع التواصل «تويتر» في صباح ذلك اليوم. خلال الحفل لم يكن مجدولاً أن يلقي الأمير كلمة، لكنه طلب الميكروفون، ليقدم اعتذاره للطالب وزملائه لأنه كان سبباً في انزعاجهم وحرمانهم من حقهم للوصول بسهولة إلى مقر دراستهم، ووجه المنظمين أن يضعوا في اعتبارهم حقوق الطلبة قبل أي شيء آخر.
بعدها بأسبوع توجه أمير منطقة الرياض إلى محافظة الخرج (90 كيلومتراً جنوب شرقي مدينة الرياض) ليفتتح مشاريع خدمية، من ضمنها افتتاح مبنى البلدية الجديد، وعندما دخل المقر استقبله المسؤولون، ولكنه لاحظ أن معظم المكاتب خالية من الموظفين، وكان المنظمون صرفوا الموظفين اعتقاداً منهم أن هذا أفضل ليتجول الأمير بسعة في المكان. الأمير فيصل تجاهل كل شيء وواجه بغضب المسؤولين بأن غياب الموظفين غير مقبول، لأني هنا لأسمعهم، ليتحدثوا حتى أراهم وأفهم مشكلاتهم، وخرج مستاءً.
وقبل شهر من الآن، توجه الأمير فيصل إلى محافظة المزاحمية (40 كيلومتراً غرب مدينة الرياض) لتدشين مشروع للطرق، وخلال استماعه لشروحات حول المشروع وأنه يتكون من أربع مراحل تم إنجاز ثلاثٍ منها، رفض أن يدشنه، وقال صريحاً لن أدشنه إلا مكتملاً، وإن اكتمل سآتي مرة أخرى وأفتتحه وسأسير معكم إليه وأرى بنفسي، وعاد إلى الرياض. وخلال الأسبوع الماضي، قام بزيارة مفاجئة إلى مستشفى محافظة عفيف (500 كيلومتر غرب الرياض) وكان قد وصلت إليه شكاوى من مواطنين من سكان المدينة، فلم يعجبه ما رآه من تقصير واضح في الخدمة في جوانب أساسية يفترض أنها الحد الأدنى من تجهيز أي مستشفى. وقف ووبخ المسؤول وطالبه بتحسين الوضع من دون أعذار وأنه سيتابع التصحيح.
الأكيد أن أمراء المناطق والوزراء في القطاعات الخدمية يتفاوتون في طريقة إدارتهم، إنما في النهاية يفترض أنهم يستهدفون خدمة الناس، لكن ميزة أمير الرياض وخروج مثل هذه المواقف إلى العلن، أنها تعطي دروساً للآخرين، وتشجع الناس على تقديم شكواهم في حالة الإهمال أو التقصير. والعبرة فعلاً ليست في حفلات التدشين وزخرفة المكان وعدد الحضور والضيافة، بل في الفائدة التي ستعود على المواطن والمقيم. ليست كل المشاريع التي تم اعتماد ميزانيتها أنجزت، وهذا مؤشر لحصول فساد، لذلك حسمت القيادة السياسية الأمر بتشكيل لجنة مراجعة للمشاريع المعطلة والتحقيق في أسباب توقفها.
المدن الكبرى تضخمت بسبب الهجرة الداخلية من المحافظات والمدن الصغيرة لأسباب منها مستوى الخدمات الصحية والتعليمية وشح فرص العمل. مدينة الرياض وحدها تصدرت معدل الهجرة بنحو 17 في المائة، وهذا رقم كبير يفسر الكثافة السكانية الكبيرة، ويوجب الدراسة ورصد المسببات وعلاجها.
في الولايات المتحدة بمساحتها الشاسعة، تنبهت الحكومة الفيدرالية وحكام الولايات إلى أهمية أن تكون كل ولاية متميزة في مجال جاذب حتى لا تكون طاردة، لذلك عُرفت مدن فيها بالجامعات المرموقة، وأخرى بالمستشفيات الكبرى ذات الصيت الدولي، وغيرها بزراعة محاصيل أساسية كالبطاطا والذرة والطماطم كما في ولايات الشمال الأوسط، وبصناعة السيارات في ديترويت - ميشيغان، والطائرات في سياتل في ولاية واشنطن. حتى مدينة في وسط صحراء قاحلة لا تمتاز بمناخ ولا تضاريس ولا أنشطة مثل لاس فيغاس أصبحت جاذبة بسبب محال وأماكن القمار. المهم ألا تهمش أي ولاية من تقديم خدمة إلى طيف من المواطنين والمقيمين.
الأمير فيصل بن بندر قدم دروساً مهمة لأمراء المناطق خاصة من الشباب، ملخص خبرته في التعامل مع الناس، وحجم المسؤولية الكبرى على عاتقه جعل منه مسؤولاً شجاعاً، لا يتوانى في الرفض العلني والتوبيخ لأي جهة يظهر منها تقصير أو تمرير لأنصاف مشاريع. السعودية بلد شاسع لكن لكل منطقة مميزاتها التي يمكن استثمارها ونقل الاستثمارات إليها لتكون محطة جذب. انظروا إلى مدينة العلا، التي كانت مهجورة لا يسمع فيها إلا صرير الرياح، خلال عامين أصبح اسمها عالمياً بفضل قرار صحيح أحيا أرضها بعد موت طويل.

التعليقات

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر