من التهديد إلى تنفيذ الهجمات
خرجت التهديدات التي دأبت على إطلاقها الميليشيات الموالية لإيران ضد الوجود الأميركي في العراق من دائرة الاحتكاك والتهديد إلى الاستهداف الفعلي، حيث أسفر هجوم صاروخي، على قاعدة للتحالف الدولي ضد داعش في كركوك، عن مقتل متعاقد أميركي وإصابة العديد من العسكريين، هم أول الضحايا الأميركيين لسلسلة هجمات مماثلة وقعت مؤخراً.
ويهدف هذا التصعيد إلى حرف الأنظار عن الأزمة السياسية ومساعي الأحزاب الدينية لفرض مرشحيها على الرئيس العراقي برهم صالح، يأتي هذا وسط حديث عن زيارة يؤديها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى قاعدة عين الأسد غربي العراق.
وبينما لم يحمّل التحالف أيّ جهة مسؤولية الهجوم، إلا أنه ينذر باحتمال ارتفاع منسوب التوتر بشكل إضافي بين واشنطن وطهران، التي تدعم مجموعات شيعية مسلحة موالية لها في العراق وسبق أن اتهمتها الولايات المتحدة بالوقوف وراء هجمات استهدفت مصالحها هناك.
وقال التحالف في بيان “قُتل متعاقد مدني أميركي وأصيب العديد من العسكريين الأميركيين وعناصر الخدمة العراقيين في هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية عراقية في كركوك” تضم قوات للتحالف.
وتنشط قوات الأمن الحكومية وميليشيات شيعية مسلحة إضافة إلى خلايا نائمة تابعة لتنظيم داعش في محافظة كركوك.
وقال مسؤول أميركي مطلع على التحقيق إن 30 صاروخًا على الأقل أصابت القاعدة بما في ذلك مستودع ذخيرة، ما تسبّب بمزيد من الانفجارات، بينما عُثر على أربعة صواريخ أخرى في أنابيبها داخل شاحنة في النقطة التي تم منها إطلاق الصواريخ.
ووصف المسؤول الهجوم بالأكبر بين سلسلة ضربات صاروخية طالت مصالح الولايات المتحدة في العراق منذ نهاية أكتوبر أسفرت عن مقتل جندي عراقي وإصابة آخرين بجروح إضافة إلى التسبب بأضرار في محيط مقر السفارة الأميركية بالمنطقة الخضراء في بغداد.
وأفاد مصدر أميركي أن خطر الفصائل الموالية لإيران في العراق على الجنود الأميركيين بات أكبر من التهديد الذي يشكّله تنظيم داعش، والذي نشرت واشنطن على إثره الآلاف من الجنود في البلاد لمساعدة بغداد على مواجهة التنظيم المتطرف بعدما سيطر على مناطق واسعة في 2014.
وتعرضت قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار غرب البلاد في الثالث من ديسمبر إلى هجوم بخمسة صواريخ بعد أربعة أيام من زيارة قام بها نائب الرئيس الأميركي مايك بنس لقوات بلاده هناك.
وأصيبت قاعدة القيارة الجوية الواقعة في شمال العراق بأكثر من عشرة صواريخ في نوفمبر، في هجوم كان من بين أكبر الهجمات خلال الأشهر الماضية ضد منطقة تتواجد فيها قوات أميركية.
وأعربت مصادر أميركية دبلوماسية وعسكرية عدة عن تزايد امتعاضها من هذا النوع من الهجمات.
وتقول المصادر إن واشنطن تنتظر من شركائها العراقيين التحرّك لوقف هجمات الميليشيات على القوات الأميركية محذرة من تصعيد شامل.
لكن المهمة معقّدة، إذ أُمرت قوات الحشد الشعبي بالانخراط بالقوات الأمنية الرسمية، لكن العديد من مقاتليها لا يزالون يتحركون بدرجة ما من الاستقلالية.
وصرّح وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر في وقت سابق هذا الشهر أنه عبّر لرئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبدالمهدي عن “قلقه مما يبدو أنها هجمات على قواعد في العراق يمكن أن تنتشر فيها قوات أو معدات أميركية”.
وقال إسبر إن لدى الولايات المتحدة “الحق في الدفاع عن نفسها، لكننا نطلب من شركائنا العراقيين اتّخاذ إجراءات استباقية (…) للسيطرة على الوضع الذي لا يناسب أيّ طرف”.
وطالب مكتب عبدالمهدي حينها “ببذل مساعٍ جادة يشترك فيها الجميع لمنع التصعيد الذي إنْ تطوّر سيهدد جميع الأطراف”.
واعتبر عبدالمهدي أن “أي إضعاف للحكومة والدولة العراقية سيكون مشجعاً على التصعيد والفوضى”، منبها إلى أن “اتخاذ قرارات من جانب واحد سيكون له ردود فعل سلبية تصعب السيطرة عليها وتهدد أمن العراق وسيادته واستقلاله”.
وأوضح مسؤول عراقي كبير طالبًا عدم كشف هويته أن عبدالمهدي يخشى أن تردّ الولايات المتحدة على تلك الهجمات “ما قد يؤدي إلى تصادم على أراض عراقية”.
وارتفع منسوب التوتر بين إيران والولايات المتحدة منذ انسحبت واشنطن بشكل أحادي العام الماضي من الاتفاق النووي المبرم مع طهران سنة 2015 وأعادت فرض عقوبات عليها.
وتخشى بغداد، المقرّبة من الطرفين، من أن تتحوّل إلى ساحة لتصفية الحسابات بين واشنطن وطهران.