ضاقت عدن بما رحبت، وبلغت القلوب الحناجر، كان ذلك في منتصف شهر مارس من عام 2015 عندما ذهبت الحكومة اليمنية برئيسها وجنودها وتركوا خامس العواصم العربية عدن تواجه مصيرها . «الحوثيون» وقوات الحرس «الجمهوري» دخلوا إلى المدينة من كل أبوابها بحثاً عن الرئيس هادي الذي كان قد لجأ إليها قادماً من صنعاء بعد أن أعلن «الحوثيون» انقلابهم عليه.
لم يجد أبناء عدن من سبيل سوى الدفاع عن مدينتهم بما وجدوه من سلاح قليل بعد أن سقطت المعسكرات بيد الغزاة «الحوثيين»، تشكلت نواة المقاومة الجنوبية بأفراد لم يتجاوز عددهم مائتين اتخذوا من مديرية «كريتر» نقطة تجمع لهم في ظل فوضى عارمة عمت المدينة التي لم يجد أهلها سوى الخروج منها فلقد كان «الحوثيون» يقصفون كافة المديريات بالمدفعية الثقيلة.
التاسع عشر من مارس 2015 كان أول اشتباك مباشر بين المقاومة الجنوبية وميليشيات «الحوثي»، كان انتصاراً معنوياً مهماً للمقاومة، وكان تحولاً أول تبعه انضمام المئات من الأفراد إلى عدن من مختلف المحافظات الجنوبية، وعلى رغم أن الكفة العسكرية كانت لصالح «الحوثيين»، وقوات صالح التي كانت تعزز من ضرباتها على عدن بقصف جوي على مواقع المقاومة الجنوبية.
في 26 مارس أعلنت السعودية قيادتها لتحالف عربي دعماً للشرعية وأوكلت للقوات المسلحة الإماراتية مهمة تحرير عدن، وفي ليلة الرابع عشر من أبريل كان أول إنزال مظلي للقوات الإماراتية من نخبة ضباط الاستطلاع التي انضمت إلى المقاومة الجنوبية واتخذت من منزل صغير غرفة عملياتها التي بدأت بتنظيم المقاومين الجنوبيين وتجهيز مسرح العمليات القتالية على مختلف محاور مديريات عدن.
مع مطلع شهر مايو استدعي نائب الرئيس السابق خالد بحاح على عجل إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، وطلب منه اختيار شخصية تتولى المهمة العسكرية في الداخل، فتم استدعاء جعفر محمد سعد من منفاه في لندن ليتولى المهمة في عدن، كانت المقاومة الجنوبية تعلن أول انتصار لها بإعلانها تحرير محافظة الضالع، وهنا تشكلت خريطة مثالية لمواجهة الميليشيات «الحوثية»، فلقد تم تأمين الضالع بشكل كامل لتتحول إلى منطقة إنزال للسلاح الخفيف والمتوسط، وشكلت نقطة الإمداد الأساسية للمقاومة داخل مدينة عدن، التي لم تتوقف فيها المعارك، خاصة وأن الطريق من تعز كانت مساراً لإمداد «الحوثيين» وقوات «الحرس الجمهوري» بكافة أنواع الأسلحة.
في نهاية شهر يونيو كانت القوات المسلحة الإماراتية قد أكملت تجهيز مسرح العمليات تماماً ووضعت كتائب المقاومة الجنوبية في مواقعها الرئيسة، كل هذا التحضير الميداني، ولم تكن القوات الإماراتية قد ظهرت بعد في مدينة عدن، فلقد كانت عناصر الاستطلاع الحربية تقوم بالمهام الميدانية، في حين تولت كتيبة خاصة من المقاومة الجنوبية نقل الأسلحة والمعدات لمواقع محددة حول المعسكرات والمطار وميناء الزيت.
في الرابع عشر من يوليو، أطلقت القوات المسلحة الإماراتية عملية «السهم الذهبي»، واقتربت بارجة حربية من التواهي كانت تحمل طلائع القوة الإماراتية، التي كان عليها مهمة تأمين المصافي قبل أن تتحرك لإسناد المقاومة الجنوبية في مختلف محاور القتال لإجبار ميليشيات «الحوثي» و«الحرس الجمهوري» للتراجع إلى مديرتي دار سعد والعريش.
تولى الشيخ «هاني بن بريك»، ومجموعته مهمة اقتحام قصر المعاشيق، بينما كان القتال في جبهة المطار أكثر ضراوة بعد أن اكتشفت المقاومة الجنوبية حجم الكمائن والألغام المزروعة باتجاه المدخل الرئيس لتتقدم قوة من سلاح المدفعية الإماراتية، وتشق الطريق للمقاومة التي استطاعت في معركة العشرين ساعة المتواصلة من كسر التحصينات والدخول إلى المطار ورفع العلم الجنوبي فوق الصالة الرئيسة.
في الأثناء وعلى حسب الخطة الموضوعة، فلقد اضطرت ميليشيات «الحوثي» للتمركز في مديرية «دار سعد» التي شهدت معركة هي الأعنف استخدمت فيها كافة أنواع السلاح مع تدخل الطيران الحربي الإماراتي، الذي نجح في قطع الطريق بين مدينتي تعز وعدن، مما وضع ميليشيات «الحوثي» أمام مواجهة مفتوحة مع كتائب «المقاومة الجنوبية»، التي استطاعت ضرب كافة القوات الغازية وأسرت المئات من «الحوثيين».
السابع والعشرون من شهر رمضان المبارك أعلن عن تحرير عدن وانتصار العاصمة العربية الأول على المشروع الطائفي الذي كان قد أسقط عواصم عربية أخرى، وانكسر هذا المشروع على أسوار عدن بعزيمة «الجنوبيين» وإسناد الإماراتيين حكاماً وشعباً وجيشاً أثبت في ميدان الحرب قدرات احترافية عالية، فلقد احتاجت القوات المسلحة الإماراتية لتسعين يوماً لحسم واحدة من أصعب المعارك التي تنوعت فيها أشكال الحرب.
نصرة المظلوم شيمة من شيم العرب وعهد الرجال وكلمتهم والتزامهم تمثل في المشاركة الإماراتية في هذه الملحمة التي تسجل للأمة العربية التي لم تعرف نصراً عسكرياً بعد نصر أكتوبر المجيد بعبور الجيش المصري قناة السويس في 1973 إلا تحرير عدن في يوليو 2015، انتصار عظيم احتفظ فيه أبناء الإمارات بالشرف العسكري عندما تلاحموا مع أبناء الجنوب الصادقين المؤمنين بأن في العرب أحراراً تركهم زايد بن سلطان آل نهيان كما يجب أن يكونوا في المهام العظيمة عوناً وسنداً وذخراً للعرب، وستظل عدن وفية لمن كان لها سيفاً ودرعاً وبلسماً داوى جراحها، وإنْ غادرها، فلقد ترك الإماراتيون في قلوب أهلها حباً ستتوارثه أجيالاً بعد أجيال يحكون فزعة عيال زايد مع عاصمة عربية أبت أن تنحني، فقد كانت عدن وستظل عاصمة يتفاخر بها العرب قبل أن يتفاخر بها الجنوبيون.