القتال لأجل تركيا
ينتهز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انشغال الولايات المتحدة بالتصعيد مع إيران لتنفيذ مغامرة عسكرية شرق الفرات حيث مناطق سيطرة أكراد سوريا المدعومين أميركيا، في وقت تكشف فيه تقارير وشهادات عن عملية تتريك واسعة تنفذها أنقرة في المناطق السورية الواقعة تحت سيطرتها أو سيطرة وكلائها من المعارضة السورية.
وبالتوازي بدأت أنقرة بخطة لطرد الآلاف من اللاجئين بعد أن وظفت ورقتهم في سياقات عدة بينها الضغط للقبول بتركيا كلاعب رئيسي في أي حل مستقبلي بسوريا، فضلا عن ابتزاز أوروبا والحصول على أموال كبيرة مقابل التحكم في موجة اللاجئين.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الاثنين إن بلاده ستبدأ عملية عسكرية شرقي نهر الفرات إذا لم تتم إقامة منطقة آمنة مزمعة في شمال سوريا وإذا استمرت التهديدات التي تواجهها أنقرة، مهددا بإغلاق قاعدة إنجرليك إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع واشنطن في الأمر.
وأضاف جاويش أوغلو في مقابلة مع قناة (تي.جي.آر.تي خبر) أنه يأمل في التوصل إلى اتفاق بعد محادثات الاثنين مع المبعوث الأميركي الخاص بسوريا جيمس جيفري الذي يزور أنقرة.
وقال “لذلك، لدينا في أيدينا قاعدة جوية إنجرليك وغيرها من القضايا، الأمة تريد منا أن نتخذ خطوات بشأنها.. في الوقت الحالي، سواء أكانت إنجرليك أم كورسيك (محطة الرادار)، فقد بدأنا الاستعداد للرد”.
ونجحت واشنطن في منع أنقرة من تنفيذ تهديدات سابقة بالهجوم على مناطق السيطرة الكردية، ورغم تهديدات أردوغان ومسؤولين أتراك آخرين بتنفيذ هجوم كأمر واقع، فإن وجود خبراء عسكريين وقوات خاصة أميركية على الأرض أطاح بكل تلك التهديدات.
وأعلن أوغلو أن المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن المنطقة الآمنة تباطأت، مضيفا أن أنقرة أبلغت واشنطن بأن عليها ألا تستخدم القتال في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا ذريعة لتجاهل المنطقة الآمنة المقترح إقامتها إلى الشرق.
وتابع قائلا “أرسل الأميركيون (المبعوث الخاص) جيفري وقالوا إن هناك اقتراحات جديدة ستطرح في المحادثات. نأمل في إمكانية التوصل إلى اتفاق بهذا الصدد. ينبغي اتخاذ خطوات ملموسة في هذا الشأن الآن”.
ويعتقد المراقبون أن أي مغامرة تركية قد تغضب واشنطن بشكل قد يؤدي إلى اشتباك غير محسوب خاصة في ضوء التوتر الذي يسيطر على العلاقات الثنائية بسبب خطوات تركية مستفزة لإدارة الرئيس دونالد ترامب كان آخرها قرار شراء منظومة صواريخ أس-400 الروسية، ما دفع إلى سحب أي دور لتركيا في طائرة أف-35 الأميركية.
ويرى القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني أنه لا يمكن لتركيا أن تتوقع تكرار حملتها الناجحة على القوات الكردية في منطقة عفرين بشمال غرب سوريا في العام الماضي.
وقال كوباني في تصريح لموقع “أحوال تركية” إنه إذا رضخت الولايات المتحدة لرغبات تركيا وسمحت بإجراء عملية، سترد قوات سوريا الديمقراطية بشن حرب شاملة، بغض النظر عن المواقع التي تستهدفها ضربات الجيش التركي.
وحذر القائد الكردي من أنه إذا أطلق أردوغان عملية شرق الفرات، فسيكون بذلك قد ارتكب خطأ جسيما، وان الهجوم سيطلق حربا شاملة في المنطقة.
ويتزامن التلويح بالهجوم مع حالة غضب واسعة بين أكراد سوريا وبين السوريين ككل من أنشطة تركيا على الأراضي السورية، ففضلا عن العمليات الانتقامية والقتل على الهوية، باتت أنقرة تبسط سيطرة ثقافية ولغوية وعسكرية على المنطقة في عملية تتريك ممنهجة وهادفة لإلحاق المناطق المحتلة بتركيا.
ويتم رفع العلم التركي على المواقع العسكرية وصولا إلى المدارس والشوارع والمؤسسات الخدمية. كما قامت أنقرة بتغيير أسماء المدن كتغيير اسم مدينة الراعي في شمال حلب إلى “جوبان باي” واسم جبل عقيل المعروف إلى “بولانت البيرق”، ناهيك عن تغيير أسماء العشرات من القرى في مناطق الباب وعفرين وإعزاز، وكذلك أسماء الساحات والشوارع والحدائق.
ففي عفرين أُطلق تسمية رجب أردوغان على ساحة “السراي” وأسماء تركية أخرى على بعض القرى الكردية، وفي إعزاز كانت تسمية “الأمة العثمانية” لحديقة عامة عمرها نحو 100 عام مع علم تركي كبير وكتابات باللغة التركية أكثر صدمة بالنسبة للسوريين.
كما قامت بتغيير أسماء المدارس وفرض اللغة التركية بعد حظر الكردية بشكل كامل والعربية في بعض المناطق، وكان لافتاً تسمية المركز الثقافي قرية “مريمين” في عفرين باسم “تنزيلة” والدة الرئيس التركي.
وفرضت على الأهالي تعليم أبنائهم اللغة التركية والاعتماد على المناهج التركية بدلاً عن المناهج السورية، فيما وزعت على الطلبة شهادات تحمل العلم التركي وكتابات باللغة التركية، وافتتحت فروع لجامعاتها ونقاط البريد والمحاكم التركية والمراكز الدينية على الطريقة العثمانية التي تدعو للرئيس التركي وجيشه بالتوسع والمزيد من الاحتلال.
وبالتوازي مع التصعيد العسكري وخطط التتريك المنظم، بدأت أنقرة بالتخلص من عبء اللاجئين السوريين إليها، ما قد يفاقم من الأزمة الإنسانية ويمثل خطرا على أمن هؤلاء، خاصة أن الكثير ممن غادروا مطلوبون بشكل أو بآخر للنظام أو لميليشيات حليفة.
وأمهلت سلطات ولاية إسطنبول، الاثنين، حتى 20 أغسطس السوريين المقيمين بشكل غير قانوني في المدينة للمغادرة، علما أن حملة طرد للسوريين قد بدأت منذ عدة أيام.
وأكدت ولاية إسطنبول في بيان أن أكثر من 547 ألف سوري يعيشون في إسطنبول “في إطار” نظام “الحماية المؤقتة” بعدما هربوا من سوريا نتيجة النزاع.
لكن بالنسبة إلى “الداخلين” إلى تركيا “بطريقة غير شرعية”، فسوف تستمر “أعمال إلقاء القبض عليهم وإخراجهم من البلاد”.