حراك الجزائر ارشيف
مر شهر على استقالة عبد العزيز بوتفليقة من منصبه كرئيس للجمهورية وهو الذي كان ينوي الترشح لعهدة خامسة، لولا الثورة الشعبية السلمية التي اندلعت في 22 فيفري الفارط، وأحدثت خلطا كبيرا في خزانة السلطة وخلقت فرزا لم يتوقف لحد الساعة داخل سرايا النظام.. ورغم أن الجزائريين أسقطوا مشروع العهدة الخامسة وبعض الوجوه المحسوبة على نظام بوتفليقة إلا أنهم يواصلون طريق الاحتجاج السلمي إلى غاية وضع معالم مرحلة انتقالية وترسيم انتقال ديمقراطي حقيقي.
خرجت المسيرات السلمية للمرة الـ11 على التوالي من أجل دفع النظام السياسي للقبول بخارطة طريق سياسية مغايرة، تفتح بموجبها المجال لانتقال ديمقراطي حقيقي، بعيدا عن منطق الأمر الواقع الذي دخلت فيه البلاد منذ 2 أفريل الماضي، تاريخ وضع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ورقة استقالته بين يدي رئيس المجلس الدستوري المستقيل بدوره الطيب بلعيز، إثر دعوة وجهها قائد أركان الجيش الفريق أحمد ڤايد صالح في اليوم ذاته، إلى تطبيق فوري للمادة 102 من الدستور.
ورغم رحيل الرئيس بوتفليقة وأقرب المقربين منه أو ما أصبحت توصف في القاموس السياسي بـ”القوى غير الدستورية” إلا أن الحراك الشعبي لا يقبل لحد الساعة المنطق الذي يتعامل به النظام الرافض لأي حل خارج الأطر الدستورية وبالتالي الذهاب نحو رئاسيات يوم 4 جويلية، بحكومة عينها الرئيس المستقيل ويقودها نور الدين بدوي وزير الداخلية طوال العهدة الرابعة، وبرئاسة انتقالية يسيرها عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة السابق والأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي كذلك سابقا وهما اللذان كانا من أبرز الموالين للرئيس السابق والداعمين لبقائه في الحكم، إضافة إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني معاذ بوشارب الذي رغم إزاحته من رأس حزب جبهة التحرير الوطني يظل متمسكا بكرسي الغرفة السفلى للبرلمان، رافضا التزحزح من منصبه رغم الدعوات المنادية برحيله.
وتعتقد الكثير من الأطراف السياسية المحسوبة على المعارضة، أن البلاد لا تزال تحت جلباب نظام بوتفليقة، فرئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، واحد من هذه الأسماء التي سبق لها الإشارة إلى أن “الجزائر لم تخرج عن مسار العهدة الخامسة مع فارق عدم وجود بوتفليقة”، مؤكدا أن تطبيق نص المادة 102 من الدستور خارج نص المادتين 7 و 8 منه، هو “تمديد لحكم النظام السابق”، ولكن السلطة التي تتولى مرحلة ما بعد بوتفليقة فهمت رسائل الحراك الشعبي على طريقتها الخاصة، واستوعبت أن إقناع الشارع بالتغيير لن يكون إلا عبر تنحية بعض الوجوه واستبدالها بأخرى، أي تغيير رجال الصف الأول برجال الصف الثاني في مختلف مؤسسات الدولة، بعملية “ليفتينغ” يعرف النظام بتجربته الطويلة كيفية تجديد جلده من دون أن يتخلص من نفسه، وبالتالي يعود من جديد إلى الواجهة مثلما حدث بعد أحداث أكتوبر 1988 التي كادت أن تعصف بمؤسسات النظام في تلك الفترة.
ولكنه في نفس الوقت، يبقى حديث المؤسسة العسكرية عن الحوار لإيجاد حل سياسي للأزمة بطريقة توافقية محط ترحيب لدى الكثير من القوى السياسية، التي حاولت تأويل هذا الحوار إلى أنه نية نحو فتح مشاورات جديدة تؤسس لمرحلة انتقالية بآليات جديدة من دون الوجوه المرفوضة من طرف الحراك الشعبي وعلى رأسهم بدوي وبن صالح.
ويعتبر تحرك العدالة في سرعة قصوى، بإعادة فتح عدة ملفات فساد متهم فيها كبار المسؤولين السابقين، من أبرز السمات التي ميزت الشهر الأول منذ استقالة بوتفليقة، حيث أعاد القضاء إلى الواجهة ملف وزير الطاقة السابق شكيب خليل، والأمين العام السابق للأفالان جمال ولد عباس وزميله في الحكومة السعيد بركات لورود اسميهما في ملفات فساد أثناء تسييرهما لوزارتي التضامن والفلاحة، كما استدعي الوزير الأول السابق أحمد أويحيى للوقوف أمام وكيل الجمهورية لمحكمة سيدي امحمد للرد حول قضايا تبديد المال العام ومنح امتيازات غير مشروعة، كما أن المدير العام الأسبق للأمن الوطني اللواء عبد الغني هامل وقف مرتين في أسبوع أمام قاضي التحقيق، الأولى في محكمة تيبازة وكان مستدعيا مع ابنه، لسماع أقوالهما بخصوص قضايا نهب العقار وأنشطة غير مشروعة واستغلال النفوذ، أما الثانية يوم الخميس الماضي، بمحكمة سيدي امحمد للرد على القاضي المكلف بمتابعة ما يعرف بملف “البوشي”.
وفي سياق متصل، تراقب مراكز الأبحاث الدولية تطورات المشهد السياسي الجزائري، بكثير من الحذر، محاولة تفكيك “شفرات” مستقبل البلاد على توقيت الثورة السلمية، وفي تعليق للباحثة ماريانا أوتاوي -وهي باحثة في شؤون الشرق الأوسط بمركز وودرو ويلسون في واشنطن- على ما أسمته “الورطة الثورية في الجزائر والسودان”، حيث ترى بأن محاولات إحداث المزيد من التغييرات الجذرية بمعاقبة وإقصاء النخبة القديمة غير ممكنة بالوسائل الديمقراطية، محذرة من “رد فعل قويا وثورة مضادة تؤدي إلى عنف وقمع”.
وقالت أوتاوي إن المظاهرات الشعبية المتواصلة منذ عدة أشهر في الجزائر “جددت الآمال في التحول الديمقراطي في أعقاب ثورات 2011” الفاشلة في مجملها بالنظر إلى حالات سوريا ومصر وليبيا واليمن، وتساءلت الباحثة في مقالها إن كانت البلاد ستشهد انتقالا ديمقراطيا؟ موضحة أن ذلك إذا ما حدث فسيكون العديد من المتظاهرين غير راضين عنه تماما.