الإخوان يعودون إلى الشارع بعد غياب
المبادرة السياسية التي طرحتها جماعة الإخوان المسلمين في الأردن تثير الكثير من الشكوك من حيث أهدافها الحقيقية خاصة في هذا التوقيت حيث تواجه المملكة أزمة مركبة، تحتاج فيها إلى دعم والتفاف من كافة أطيافها، وليس إلى تشتيت الأنظار نحو قضايا لئن كانت مهمة وجوهرية، بيد أن الخوض فيها حاليا قد يؤدي إلى المزيد من التشرذم والانقسام.
تعتبر دوائر سياسية أردنية أن المبادرة التي طرحتها مؤخرا جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي بشأن إجراء تعديلات دستورية ليست بالجديدة من حيث المضمون.
وتشير الأوساط إلى أن جماعة الإخوان تستشعر حالة من الضعف لدى صناع القرار في الأردن نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها المملكة والضغوط الخارجية، التي سبق وأن أكد وجودها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني. وتسعى الجماعة إلى استغلال الوضع لحصد مكاسب سياسية، تفتح أمامها طريق المشاركة بفاعلية في السلطة.
وشهد الأردن خلال الأشهر الماضية تحركات احتجاجية على خلفية ارتفاع معدلات التضخم والبطالة وتراجع المقدرة الشرائية للمواطن، وحمّل المحتجون الأسباب للفساد المستشري في الدولة، والسياسات الترقيعية التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة والقائمة أساسا على الزيادات الضريبية الأمر الذي أثقل كاهل الطبقتين المحدودة والوسطى.
وانضافت إلى أزمة الأردن الاقتصادية الضغوط الخارجية التي يتعرض لها الملك عبدالله الثاني والتي يربطها الكثيرون بخطة السلام الأميركية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتي يرجح الإعلان عنها قريبا وسط توقعات بأنها ستكون عقب الانتخابات الإسرائيلية العامة المقررة الثلاثاء المقبل.
وفي خضم هذه الأزمة المركبة التي يتوقع أن تزداد وطأتها خلال الفترة المقبلة يرى الإخوان أن الفرصة باتت سانحة لإعادة طرح مطالبهم التي يتصدرها إنشاء حكومة برلمانية يأملون في أن يتولوا هم قيادتها بالنظر إلى أنه رغم الضعف الذي اعتراهم خلال السنوات الأخيرة، فإنهم يبقون الأكثر قوة وتنظيما مقارنة بباقي القوى على الساحة السياسية في المملكة.
وطرحت الجماعة في مؤتمر صحافي عقد الاثنين، في مقر حزب جبهة العمل الإسلامي في العاصمة عمّان مبادرة تتضمن عدة مقترحات، في مقدمتها إجراء تعديلات دستورية.
وتطرقت المبادرة، إلى أن “الأردن يواجه أوضاعا دقيقة، وتحديات داخلية وخارجية على أكثر من صعيد، في وقت تستمر فيه الأزمات وتتواصل حالة الاضطراب والفوضى في المنطقة”. وأضافت أنه “على المستوى الداخلي يرتبك الأداء السياسي، ويتباطأ مسار الإصلاح، وتشهد الساحة المحلية حراكا واحتجاجات تطالب بالإصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد ووقف التضييق على الحريات”.
الإخوان يرون أن الفرصة باتت سانحة لإعادة طرح مطالبهم التي يتصدرها إنشاء حكومة برلمانية يأملون في أن يتولوا قيادتها
ولفتت “يزداد الوضع الاقتصادي صعوبة، بسبب الفساد وفشل السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، وبتأثير تراجع المساعدات الخارجية وتحويلات المغتربين وتضرر التبادل التجاري مع الأسواق العربية المجاورة بفعل إغلاق المعابر الحدودية”.
وتابعت “هذه الأوضاع انعكست سلبا على معيشة المواطنين، ولجأت الحكومات لمواجهة أزماتها المالية المتفاقمة، إلى التوسّع في سياسة رفع الأسعار وفرض زيادة في الرسوم والضرائب، وإثقال كاهل المواطن بالمزيد من الأعباء”.
والجدير بالذكر أن جماعة الإخوان وعلى مدار الأشهر الماضية التزمت الصمت حيال التحركات الاحتجاجية التي يشهدها البلد، وحاولت قدر الإمكان النأي بنفسها عنها فيما بدا مسعى لكسب ود حكومة عمر الرزار، الأمر الذي أثار موجة من الاستنكار من قبل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتقول الأوساط إن تطرق الجماعة في هذه المبادرة إلى الوضع الداخلي وانتقادها للحكومة في هذا التوقيت يحملان دلالات سياسية كثيرة، لعل من بينها قناعتها بأن الأمور تسير نحو المزيد من التأزم، وأن لا انفراجة في الأفق خاصة مع وجود ضغوط خارجية يجد صاحب القرار صعوبة في الاستجابة لها وفي الآن ذاته لا يملك أدوات حقيقية لمواجهتها.
ونوهت المبادرة، إلى أن “الأردن يواجه تداعيات السياسة الأميركية المنحازة تجاه القضية الفلسطينية، ومحاولات فرض مشاريع سياسية مشبوهة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتشكل تهديدا مباشرا للأردن، كمشروع صفقة القرن والإجراءات الأحادية لحسم مستقبل مدينة القدس وشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم”.
وأردفت أن “مساعي الأردن لتطوير منظومة علاقاته السياسية واعتماد سياسة خارجية متوازنة تقوم على تنويع الخيارات وتعزيز الحضور الإقليمي والدولي، تواجه محاولات إعاقة وإفشال أطراف تريد الأردن تابعا لها، لا شريكا مقدّرا ومحترما”.
وعن أهدافها، أوضحت المبادرة أن “الخروج من حالة الانسداد السياسي، وتحقيق نقلة نوعية في الحياة السياسية والاقتصادية في مسار الإصلاح الشامل، يأتيان على رأس الأولويات”.
وقدمت الجماعة مجموعة من 10 مقترحات لتحقيق أهدافها، في مقدمتها “إجراء تعديلات دستورية توافقية”. كما اقترحت “إقرار مبدأ الحكومات البرلمانية، ووضع خطة واضحة للانتقال إليها، ما يكرّس الولاية العامة للحكومات، ويحمّلها المسؤولية، ويجعلها معبّرة عن الإرادة الشعبية”.
وتناولت المقترحات أيضا قانون انتخاب عصري، وقانونا للأحزاب وتعديلا للتشريعات الناظمة للحريات العامة.
وكانت الجماعة قد حاولت في السابق استثمار موجة الربيع العربي حينما تولت قيادة المسيرات التي خرجت في المملكة في العام 2011، وحملت شعاراتها ذات المضامين التي نصت عليها المبادرة، من قبيل ضرورة تحقيق إصلاح سياسي، وإنشاء حكومات برلمانية.
ونجح الملك عبدالله الثاني حينها في حلحلة الأزمة وامتصاص الحراك بتقديم جملة من التعهدات بينها إجراء إصلاحات سياسية لم تتحقق لاعتبارات عدة لعل في مقدمتها معارضة التيار المحافظ المتغلغل في السلطة لأي نفس إصلاحي.
وتعرضت جماعة الإخوان عقب فشلها في الحراك إلى أزمة كبيرة فإلى جانب الانقسامات التي عصفت بها، والتي حمّلت جانبا من المسؤولية للحكومات المتعاقبة وبخاصة حكومة عبدالله النسور (2013 - 2016)، وجدت الجماعة نفسها معزولة سياسيا وشعبيا.
وفي خطوة لتدارك التراجع الدراماتيكي الذي واجهته عمدت إلى تغيير نهجها عبر إنهاء مقاطعتها للانتخابات التشريعية ثم المحلية، بيد أنها لم تنجح في تحقيق الهدف المنشود وهو إعادة فرض حضورها على الساحة في ظل محدودية النتائج المحققة في الاستحقاقين. ويقول مراقبون إن طرح الجماعة للمبادرة، وقبلها بأسبوع إعلان عودتها بقوة للشارع عبر مسيرة داعمة للقدس (بعد غياب طويل نسبيا)، تفيد بأن الأخيرة قررت التحرك بفاعلية أكبر على الساحة في ظل مؤشرات كثيرة على أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة على دوائر صنع القرار في المملكة.
ويلفت المراقبون إلى أن الجماعة لا تريد إهدار هذه الفرصة لفرض نفسها رقما صعبا في المعادلة القائمة، غير مستبعدين أن تكون قوى إقليمية كقطر وتركيا قد حضت الجماعة للتحرك والضغط لتحقيق مطالبها، على اعتبار أن دوائر صنع القرار ليست في موقف يسمح بتجاهلها.