أردوغان
وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ"الهش" الذي يستخدم صوته العالي والشعارات والعجرفة للتغطية على أزماته.
وفي تجمع حاشد مؤخرا لحملة انتخابية بتركيا، تعرض أردوغان لمضايقات من قبل مجموعة من العمال، الذين رددوا هتافات تطالب بالحصول على وظائف، وبدا على أردوغان الغضب بوضوح، بحسب ما نشرت "نيويورك تايمز".
قام أردوغان بالرد على الحشد العمالي في مقاطعة سيفاس الشرقية قائلا: "لا تتوقعوا أي شيء منا"، ووبخ أردوغان العمال البسطاء بلهجة متعجرفة قائلا: "أنا لست سياسياً عادياً ولا تثيروا مشكلات في هذا اللقاء."
وعلى الفور بادر بعض أنصار أردوغان من الحاضرين في التجمع وبعض المأجورين، الذين يتم حشدهم في مثل هذه التجمعات، بالتهليل والهتاف فيما توارى صوت المحتجين البسطاء.
ولكن يبقى أنهم قاموا بتوثيق في لحظات قليلة مدى هشاشة وضعف أردوغان وعدم قدرته على إيجاد حلول لوضع حد لمعاناة رجل الشارع التركي العادي الذي يشعر بألم عميق جراء الانهيار الاقتصادي المدوي في البلاد لأول مرة منذ تولي أردوغان السلطة قبل 17 عاما.
فبعد فترة طويلة من النمو المتواصل، دخلت تركيا في حالة ركود وسط تراجع ثقة المستثمرين وأزمة ائتمان، لتزداد حالات الإفلاس وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، ليصبح ارتفاع الأسعار بخاصة في أسواق المواد الغذائية هاجسًا وطنيًا.
إن الأزمة الاقتصادية الآخذة في الاتساع تضع حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان في مواجهة مع واحدة من أصعب التحديات، التي تعاني منها قاعدة الدعم المهمة للحزب في البلدات والمدن الصغيرة مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية، المزمع إجراؤها في نهاية الشهر الجاري.
ويقود أردوغان، الذي ربما لا يزال يتمتع ببعض الشعبية بين البسطاء، الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية. وفي حين من غير المرجح أن يحقق تقدما في حل المشاكل الاقتصادية بسهولة إلا أنه ربما يتمكن من تحقيق الاصطفاف بين بعض الأعضاء.
ويجري حاليا تعميم صيغة أردوغان الخاصة التي تدمج إلقاء اللوم على المتاعب الاقتصادية واتخاذ تدابير أخرى أكثر جذرية، خاصة محاولة قمع الأسعار في أسواق الفاكهة والخضار على أسباب أخرى، في الوقت الذي يتم السعي للحفاظ على الدعم لحزب العدالة والتنمية.
ويلجأ أردوغان في هذا السياق إلى اتباع تكتيكات انتخابية تشمل الصيغة، التي تم الإعداد لها بعناية، مثل تبرير ارتفاع تكاليف المعيشة بأنها بسبب مؤامرة أجنبية، وفي نفس الوقت يتهم بعض التجار بالجشع وابتزاز المشترين. كما يتهم أردوغان السياسيين المعارضين بضلوعهم في حملة وهمية بادعاء وجود مصاعب اقتصادية.
بل إن الأمر وصل بأردوغان إلى أنه قال للقائمين على الحملة الانتخابية في الحزب: "إخواني ... إن الطماطم والبطاطا والباذنجان والفلفل الأخضر وما إلى ذلك، كلها مجرد أساليب للتلاعب والتحايل." وأضاف أردوغان أن الحكومة كلفت مفتشين من الجهات المسؤولة عن الخدمات التموينية لمراقبة الأسعار في الأسواق والحفاظ على بقائها في معدلات منخفضة في أسواق البيع بالجملة. واتهم أردوغان التجار الذين اعتدوا بالضرب على مفتشي التموين ورفضوا الإذعان لتدخلاتهم بأنهم "إرهابيون". واستطرد أردوغان قائلا: "لقد حاولوا الاعتداء بالضرب على مفتشينا"، وتساءل: "لماذا؟ هل لأنهم نبشوا عش الدبابير".
وفي إطار خطته لتشتيت الانتباه عن السبب الحقيقي في ارتفاع الأسعار والانهيار الاقتصادي، اختلق أردوغان معركة وهمية مع بعض تجار الجملة وتوعدهم قائلا: "إذا كان هناك من يعتقد أنه أقوى من الدولة، فعليه أن يعلم أننا سنقضي على هؤلاء الذين يمارسون الإرهاب في أسواق البيع بالجملة بأسرع ما يمكن، مثلما قضت الدولة على الإرهابيين داخل كهوف كودي وجابار وتندوريك"، في إشارة إلى عمليات أمنية تركية شنتها ضد متمردين الأكراد في جنوب شرق تركيا.
وتمادى أردوغان في أقواله المفتعلة التي اعتاد أن يلهب بها حماس العامة، مؤكدا أنه لن يسمح بأن يتم استغلال الأمة التركية، وقال: "سنعمل معا كيدٍ واحدة وإن شاء الله سينتهي هذا الاستغلال".
وتعد المحليات هي الأساس في الدعم الذي يحتاج إليه حزب العدالة والتنمية. وتمثل عنصرا حاسما في احتفاظ الحزب بالسلطة والحفاظ على سمعته كونه قادرا على تقديم الخدمات، خاصة للطبقة العاملة في المجتمعات الحضرية والمجتمعات المحافظة.
وتظهر المؤشرات أن شعبية حزب العدالة والتنمية على مستوى المحليات آخذة في التضاؤل، إذ فشل الحزب في الفوز بأغلبية في الانتخابات البرلمانية العام الماضي، مما أجبره على الدخول في ائتلاف مع حزب الحركة القومية، ومن المتوقع أن يواجه اختبارا مماثلا في الانتخابات المحلية القادمة.
وتظهر بعض الاستطلاعات أن شعبية الحزب تحوم حول نسبة 30%. ويحذر حتى كتاب الأعمدة الموالية للحكومة والمطلعين على دواخل الأوضاع من أن الحزب يفقد شعبيته، وتلقي باللوم على المسؤولين المحليين الفاسدين أو غير الأكفاء.
ونفى سيفديت يلماز، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، أن يكون الحزب قد تراجع في استطلاعات الرأي في مؤتمر صحفي الشهر الماضي لكنه اعترف بأن استطلاعات الرأي أظهرت وجود عدد مرتفع بشكل استثنائي من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد.
وأعرب يلماظ عن ثقته من أن الحزب سيحقق نتيجة مساوية للانتخابات البرلمانية في العام الماضي.
وأضاف يلماظ: "يتمتع حزب العدالة والتنمية بقيادة قوية واستقرار سياسي في تركيا، وإذا كانت هناك صعوبات اقتصادية، فإن اختيار الناخب سيكون في صالح العدالة والتنمية أكثر من الأحزاب الصغيرة الأخرى"، شارحا أن "الناخب يقوم بتقييم واقعي للحالة، وأعتقد أن تأثير الاقتصاد سيكون هامشيا في تفضيلات الناخبين وفقا لهذا المنطلق".
لكن لا شك أن الأسعار، ارتفعت بشكل جنوني بعدما فقدت الليرة التركية أكثر من ربع قيمتها في عام 2018، تحتل مركز الصدارة بين اهتمامات المواطنين الأتراك.
تردد المتسوقون والتجار في الأسواق المجاورة لإسطنبول في التعبير عن رأيهم وانتقاد الحكومة بشأن ارتفاع الأسعار، ولكن التوتر كان واضحاً. وقالت إحدى السيدات، أثناء قيامها بالتسوق، إن يديها ترتجفان وهي تمسك بالفلفل، الذي تضاعف سعره 3 مرات في الأسابيع الأخيرة.
وانصبت معظم إجابات المتسوقين والتجار حول سبب زيادة الأسعار على أنه بسبب العواصف التي دمرت الصوبات الزراعية مما أدى إلى تلف كميات كبيرة من محصول الفلفل الأخضر هذا العام.
ولكن حتى قبل هذا العام، كان المزارعون يكافحون نتيجة السياسات الاقتصادية التي أهملت الزراعة لصالح البنية التحتية وتنمية الإسكان.
وقال أحمد أتاليك، رئيس فرع غرفة المهندسين الزراعيين في إسطنبول: "إن مشكلة أسعار الغذاء في تركيا ترجع بشكل أساسي إلى السياسة الزراعية".
وتحولت الحكومة لاستيراد المواد الغذائية، وبالتالي لم يعد بإمكان المزارعين كسب لقمة العيش ويتخلون تباعا عن حقولهم بشكل مطرد وينتقلون من الريف إلى المدن.
خلال السنوات الـ17 الماضية وهي فترة تولي أردوغان السلطة، تم التخلي عن زراعة أكثر من 7.4 مليون فدان من الأراضي الزراعية، وهي مساحة تقارب مساحة بلجيكا. وقال أتاليك إن عدد المزارعين المسجلين انخفض من 2.8 مليون إلى 2.1 مليون في السنوات الـ10 الماضية.
وفي علامة على قلقهم من ارتفاع الأسعار، قام أردوغان وأعضاء حكومته بالتدخل سريعا لاحتواء التداعيات السياسية.
وقال وزير التجارة روهسار بيكان: "بالطبع، لفت الأمر انتباه الرئيس"، معلنة عبر التلفزيون أن وزارتها قامت باتخاذ تدابير وإجراءات لضبط الأسعار في 81 مقاطعة.
وأعلن أردوغان نفسه عن اتخاذ مجموعة من الإجراءات، بما في ذلك خصومات بنسبة 10% على فواتير الكهرباء المنزلية والغاز الطبيعي، والتي زادت عدة مرات في الأشهر الأخيرة، كما تم إقرارات تخفيضات مماثلة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
ورفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور بنسبة 26 % في بداية العام، وبالإضافة إلى طرح قانون جديد لإزالة مفوضي الدولة الذين يعملون كوسيط بين المزارعين وأسواق البيع بالجملة.
ومع انطلاق الحملة الانتخابية، أقامت الحكومة أكشاك مؤقتة في البلدات الصغيرة لبيع الفواكه والخضراوات بسعر التكلفة، مما تراكم طوابير طويلة من المشترين، غير أن هذا النهج ربما ينطوي على بعض المخاطر.
وقالت سيلفا ديميلب، أستاذ الاقتصاد بجامعة كوك في اسطنبول، إن كانت الحكومة تكافح الاحتكار في الأسواق عن طريق المنافسة بالأسعار المنخفضة، فإنها تقوم بتحرك في الاتجاه الصحيح ويمكن أن تؤدي إلى السيطرة على الأسعار وتخفيضها. ولكن إذا كانت الحكومة تشتري الخضار في نفس سوق الجملة وتدعم الأسعار لكي تبيع بأسعار منخفضة، فإن هذا الإجراء يضر بالاقتصاد وببنية السوق.
وعلى الرغم من أن الأكشاك المؤقتة لبيع الخضراوات بأسعار منخفضة أدت جزئيا إلى التقليل من بعض التوتر، ولكن لم تؤد أي من الخطوات، التي تم اتخاذها حتى الآن، إلى تخفيف الألم الاقتصادي الواسع الانتشار.
ويظهر ذلك بوضوح في حالة جولكان غولر، البالغة من العمر 60 عاماً وهي زوجة لعامل متقاعد وتعول 5 أبناء، والتي قالت إنها تحب حزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية، ولكنها أرادت أن توجه للرئيس سؤالاً: "كيف يمكن في الظروف الحالية لشخص متقاعد، أو حتى عامل يحصل على الحد الأدنى للأجور، وهو 2،200 ليرة (حوالي 413 دولارًا) في الشهر، أن يدفع إيجار سكنه ويلبي الاحتياجات الأساسية لأسرته من الطعام؟".