كانت أبرز القضايا التي تحدّث عنها دونالد ترمب في حملته الرئاسية التهديد بأنه سوف يطرد 11 مليوناً يقيمون بصورة غير شرعية. وبسبب هول العدد اعتقد كثيرون أن التهديد مجرد تهويلٍ غير معقول. لكن بعد فوزه أثار الموضوع من جديد. وذات مرة اتصل بالرئيس المكسيكي السابق وهدده بأنه سوف يكلِّف القوات الأميركية بالتصدي للمهاجرين إن لم تسارع الحكومة المكسيكية إلى ذلك. وأدّت تلك المكالمة الهاتفية بين الاثنين إلى إلغاء زيارة مقررة كان ينوي الزعيم المكسيكي القيام بها إلى الجارة الأميركية.
يُسمي سفير لبنان السابق لدى المكسيك سمير شمّا الحالة القائمة بين المكسيك وأميركا بأنها جرح مفتوح. وقد كتب دراسة في مجلة «الدبلوماسية» يقول فيها إن الحرب الأميركية – المكسيكية (1846 - 1848) كانت أول اجتياح أميركي لأراضي دولة مجاورة. وينظر المكسيكيون إلى هذه الحرب على أنها كارثة قومية لأنها انتهت باحتلال مكسيكو، العاصمة، وخسارة نصف أراضي المكسيك التي أصبحت الآن ولايات كاليفورنيا وأريزونا ونيفادا ونيو مكسيكو وتكساس ويوتاه. خسر المكسيكيون المقاومون الحرب أمام الآلة العسكرية الأميركية، وأيضاً أمام المال الأميركي الذي أغرق المكسيكيين بالقروض التي لم يعودوا قادرين على إيفائها. أضف إلى ذلك أنه كانت لدى الأميركيين البيض قناعة بأن تلك البلاد لن تقوم لها قائمة ما لم يتدخّل الرجل الأبيض بطاقاته وقدراته وحبّه للعمل. وقامت موجة عامة تطالب بضم المكسيك برمتها. غير أن المؤرخ الشهير صمويل هنتنغتون يقول إن الرغبة في الإبقاء على النقاوة العنصرية للمجتمع الأنغلو - أميركي كانت الحجة القاطعة للذين عارضوا ضمّ المكسيك أو دمجها.
كان الرئيس جون كيندي يردد باستمرار «نحن أمة مهاجرين». وطالما وصِفَت الولايات المتحدة بأنها خلقينٌ تنصهر فيها القوميات والإثنيات من جميع أنحاء العالم. ولا يزال التضارب في الموقفين حاداً وقد ظهر إلى السطح من جديد منذ حملة ترمب، الذي يهدد بإقامة جدارٍ على طول الحدود مع الجارة المكسيكية، التي تمتد على أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر. البعض يعتقد أن هذا ضربٌ من الخيال، فيما يرى البعض الآخر أن لا شيء خيالياً مع دونالد ترمب. وإذا ما نفّذ فعلاً التهديد بإقامة سورٍ يكلِّف 11 مليار دولار، فإنه لن يشدّ الجرح ولكن سوف يزيد الفرقة عمقاً.
في كتابه الصادر عام 1985 قال المفكِّر المكسيكي كارلوس فوينتس، «إن الحدود المشتركة مع الولايات المتحدة كانت على امتداد تاريخنا حدوداً متوترة. هذه ليست حدوداً، وإنما هي جرحٌ دائمٌ ما إن نسعى إلى تضميده حتى ينفتح من جديد».