نجم فيسبوك يخفت شيئا فشيئا
حاول مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك احتواء فضيحة سرقة بيانات مستخدميه، التي هوت بسمعة شركته وكبدتها حتى الآن خسائر تفوق 50 مليارا من رأسمالها في البورصة، مع تلقي الطعنات من كل جانب ابتداء من شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون إلى الحكومات والسياسيين.
وبين عشية وضحاها تحول فيسبوك من الموقع الأكثر شعبية في العالم إلى “خائن للأمانة”، وانتشر هاشتاغ (#احذف فيسبوك) على الإنترنت، وذلك بعد مزاعم عن أن شركة الاستشارات السياسية كامبريدج أناليتيكا حصلت بشكل غير مشروع على معلومات عن حوالي 50 مليون مستخدم لموقع فيسبوك لإعداد تحليلات عن الناخبين الأميركيين، استخدمت في ما بعد للمساعدة في انتخاب الرئيس دونالد ترامب في عام 2016.
واعتذر زوكربيرغ للبريطانيين الأحد عن “خيانة الأمانة” بنشره إعلانات على صفحة كاملة في الصحف البريطانية، وجاء في الإعلان الموقّع باسمه “علينا مسؤولية حماية معلوماتنا. وإذا لم نتمكن من ذلك فنحن لا نستحقها”.
وظهر الإعلان الذي حمل شعارا صغيرا لفيسبوك في أعداد الأحد ومنها الأوبزرفر وهي واحدة من الصحف التي أدت تغطيتها للقضية إلى دفع سهم فيسبوك للهبوط بشدة.
وقال زوكربيرغ إن تطبيقا أعده باحث جامعي “سرب بيانات الملايين من المستخدمين في عام 2014”.
وأضاف “هذه خيانة أمانة وأنا أعتذر عن أننا لم نبذل المزيد من الجهد في ذلك الوقت”، مكررا اعتذارا قدمه الأسبوع الماضي في أحاديث تلفزيونية أميركية.
ويواجه فيسبوك تدقيقا متزايدا من الحكومات في أوروبا والولايات المتحدة. ولم تشذ سيليكون فالي عن هذا الخط، مع أن قطاع التكنولوجيا برمته تقريبا يزدهر بفضل الكنز الذي تمثله البيانات الشخصية عبر الإنترنت.
وخضعت شركة كامبريدج أناليتيكا لتحليل البيانات، للتحقيق بعد أن قال مصدر لصحيفة “ذا غارديان” إن المعلومات الواردة من حوالي 50 مليون مستخدم لموقع فيسبوك قد تم استغلالها دون موافقتهم واستخدامها في العمل الذي قامت به الشركة لصالح حملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابية عام 2016.
وتقول كامبريدج أناليتيكا إنها كانت في بادئ الأمر تعتقد أن البيانات وصلتها بما يتفق مع قوانين حماية البيانات وحذفتها في ما بعد بناء على طلب من فيسبوك. وأضافت أنها لم تستخدم البيانات في عملها الخاص بانتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016.
وبسبب هذا الجدل تراجعت أسهم فيسبوك بنسبة 14 بالمئة في البورصة خلال الأسبوع الحالي فاقدة 50 مليارا من رأسمالها في البورصة. وقال زوكربيرغ الذي خسرت شركته أكثر من 50 مليار دولار من قيمتها السوقية منذ تواتر المزاعم، إن فيسبوك سيعطي المستخدمين المزيد من المعلومات والقدرة على التحكم في من يحق له الاطلاع على بياناتهم.
التركيز اليوم على فيسبوك لكن قد يحصل الشيء نفسه مع غوغل وتويتر وأبل، فالمشكلة لا تقتصر على الموقع الأزرق
وعلقت شركتا موزيلا وكومرتسبنك الألمانيتان إعلاناتهما على موقع فيسبوك، كما طالبت مفوضة العدل الأوروبية، فيرا يوروفا، فيسبوك بتوضيح ما إذا كان قد تأثر أوروبيون بالتسريب المزعوم للبيانات على نطاق واسع من قبل منصة التواصل الاجتماعي، حسبما ذكرت صحيفة “بيلد أم زونتاج” الألمانية الأحد.
ووفقا للصحيفة، فمن المقرر أن ترسل يوروفا رسالة خطية إلى شيريل ساندبرغ رئيسة العمليات في فيسبوك الاثنين.
ووجهت لشركة كامبريدج أناليتيكا اتهامات بالحصول بشكل غير قانوني على معلومات من مستخدمي فيسبوك بعد الوصول إليها عن طريق مضلل تحت ستار تطبيق.
ووصفت يوروفا في تصريحاتها إلى صحيفة بيلد أم زونتاج، “إساءة استخدام” بيانات مستخدمي فيسبوك بأنها “غير مقبولة على الإطلاق”. وقالت إن “الفضيحة” جرس إنذار للمستخدمين للنظر في ما يحدث لبياناتهم.
ومن جهته، تعهد إيلون ماسك رئيس “تيسلا” و”سبايس اكس” بإلغاء صفحات فيسبوك من هاتين الشركتين فانضم بذلك إلى حركة #احذف فيسبوك التي أطلقت في الأيام الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا.
وانضم للحملة ضد فيسبوك أيضا، براين أكتون أحد مؤسسي تطبيق واتساب، داعيا إلى مغادرة شبكة التواصل الاجتماعي. وقال أكتون الذي يعمل الآن لحساب شركة “سيغنال” وهو تطبيق للمراسلة كذلك، “حان الوقت للاهتمام بالخصوصيات”.
وقد باع براين أكتون الذي تقدر ثروته بأكثر من خمسة مليارات دولار تطبيق “واتساب” العام 2014 إلى فيسبوك بسعر 19 مليار دولار.
وانتقد روجير ماكنامي وهو مستثمر شهير في وادي السيليكون وأحد أول المساهمين في فيسبوك، المجموعة داعيا رئيسها زوكربيرغ ورؤساء تويتر وغوغل إلى تبرير أنفسهم أمام الكونغرس. وقبل الجدل حول الشركة البريطانية، كان المستثمر الشهير في هذا القطاع بيتر ثييب العضو في مجلس إدارة فيسبوك كذلك، قد انتقد بشدة قطاع التكنولوجيا.
وتقول منظمة ”ذي سنتر فور هيوماين تكنولوجي” التي أسستها شخصيات سابقة في عالم التكنولوجيا (من بينهم روجر ماكنامي)، “النظام برمته قابل للتلاعب به”.
ويرى الكثير من الخبراء أن المشكلة لا تقتصر على فيسبوك، ويقول روب اندرله الخبير في المجموعات التكنولوجية “جل ما يهمهم هم المعلنون والمستخدم هو مجرد عبد رقمي. التركيز اليوم على فيسبوك، لكن قد يحصل الشيء نفسه مع غوغل وتويتر وأبل حتى”. وتعج منصات حجز السيارات مثل أوبر بكم هائل من البيانات الشخصية فيما لدى شركة أمازون للتجارة الإلكترونية أيضا بيانات بكميات لا تحصى ولا تعد.
لذلك يفرض السؤال نفسه: إلى أين سيفضي سيل الانتقادات والوعود الصادرة عن المجموعات التكنولوجية بدءا بفيسبوك في عالم باتت التكنولوجيا تشكل فيه جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية لعدد كبير من الأفراد فضلا عن الشركات والحكومات؟
وتقول كارن نورث أستاذة العلوم الرقمية في جامعة كاليفورنيا الجنوبية “هل يمكنهم أن يذهبوا أبعد لحماية البيانات الشخصية؟ كلا لا. إذ أن استمراريتهم المالية رهن استخدام هذه البيانات…. من دونها لن يكسبوا المال”.
وتشير جنيفر غريغييل الخبيرة في شبكات التواصل الاجتماعي في جامعة سيراكيوز (شرق) إلى أن الفكرة التي تنتشر الآن تقوم على أن التغييرات يجب أن تحصل من الخارج “لأن التنظيم الذاتي لا ينفع”.
وهذا بالتحديد هو هدف النظام الأوروبي لحماية البيانات الشخصية الذي يدخل حيز التنفيذ في مايو والذي قد يعقد وضع المجموعات التكنولوجية ولا سيما في أوروبا.
أما في الولايات المتحدة فان منظمة “ذي سنتر فور هيوماين تكنولوجي” بين منظمات أخرى، تجهد “حتى تمارس الحكومات ضغوطا على شركات التكنولوجيا”.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الخميس “ما من مبرر ليكون قطاع الإعلانات عبر الإنترنت أقل خضوعا لشروط الشفافية مقارنة بالإعلانات التلفزيونية أو المطبوعة”. بينما يؤكد مارك زوكربيرغ أنه منفتح على المزيد من التنظيم رغم أن فكرته تبقى مبهمة.