خطى متوازية نحو هدف واحد
تسعى مصر والسعودية إلى إعادة ترميم أسس منهارة لدور عربي أدى غيابه عن حسم ملفات محورية في المنطقة، إلى خروج القوى العربية الأساسية من المشهد، وترك تقرير مصير المنطقة في المستقبل لقوى إقليمية وقوى كبرى في العالم.
وتشير زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للقاهرة إلى محاولة البحث عن صيغة جديدة تؤسس لتعاون بين مصر والسعودية بهدف فرض قرار عربي في مستقبل أزمات معقدة في سوريا والعراق واليمن.
والعامل المشترك في الملفات الثلاثة هو إيران، التي تعيش مرحلة انتقالية تتقلص فيها قدرتها على الحركة بشكل تدريجي، منذ صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحكم.
وتقول مصادر لـ”العرب” إن الولايات المتحدة تنسق لخطوة من شأنها أن “تغير مسار الأحداث” في الملفات الرئيسية في المنطقة.
وستحتاج واشنطن إلى تنسيق عربي وقدرة أكبر على التحرك، خصوصا في دولتي سوريا والعراق، اللتين تمثلان مسرحا حصريا لإيران والغرب وروسيا.
وبدأ الأمير محمد بن سلمان زيارة إلى القاهرة، الأحد، تستمر 3 أيام، قبل قيامه بجولة خارجية تشمل كلاّ من بريطانيا والولايات المتحدة، للتباحث بشأن وضع حد للتدخلات الإيرانية في المنطقة، والمزيد من خطط مكافحة الإرهاب.
وقالت مصادر في لندن لـ”العرب” إن مسؤولين بريطانيين وأميركيين ينظرون إلى غياب مشروع عربي مواز لرؤيتي إيران وتركيا “كعائق كبير في سبيل حصار النفوذ الإيراني، وإنهاء معضلة داعش بشكل نهائي”.
ورغم انشغالها في حرب اليمن، التي تشهد تحقيق تقدم نوعي منذ مقتل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح على يد الحوثيين، تحاول السعودية تأسيس علاقات جديدة مع قوى عراقية نافذة، عبر استعادة العلاقات الدبلوماسية وتعزيز الاستثمارات، خصوصا في المحافظات الجنوبية التي تحظى باستقرار نسبي.
والأحد، قالت الرئاسة المصرية إن ترامب أجرى اتصالات هاتفية مع الرئيس عبدالفتاح السيسي “لنقاش الوضع الإقليمي”.
وجاء هذا الاتصال بعد اتصالين مماثلين، الثلاثاء الماضي، مع الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، ركزا على الدور الإيراني وبرنامج الصواريخ الباليستية.
وتؤكد هذه التحركات أن “أمرا ما” يجري نقاشه في هدوء تجاه إيران. وقالت مصادر في القاهرة لـ”العرب” إن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون تحدث خلال زيارته لمصر، الشهر الماضي، عن “تطلع واشنطن لدور أكبر تلعبه القاهرة في مواجهة إيران”.
وأضافت المصادر أن “الدبلوماسيين في وفد تيلرسون كانت لديهم قناعة بأن لا نجاح من الممكن أن تحققه المواجهة مع إيران من دون دور أكبر لمصر”.
لكنّ المسؤولين المصريين لا يزالون على ما يبدو متمسكين بتردد معهود منذ ثورة يناير 2011 لإعادة بناء نفوذ إقليمي مؤثر، قبل استقرار الوضع الاقتصادي والأمني الداخليين.
وقال باحثون في واشنطن إن خطة ترامب لمواجهة إيران تحظى بتشدد من قبل القائمين عليها في الإدارة، على رأسهم وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي هاربرت ماكماستر. وأضافوا أن فلسفة ماتيس وماكماستر في العمل الهادئ على “صفقة إيران” تشبه نفس طريقة عمل جاريد كوشنر مستشار الرئيس، على “صفقة القرن”.
وتتحول مصر تدريجيا إلى لاعب عربي مقبول في الصراع السوري. وتجسد ذلك في اتفاقات للهدنة تمت برعاية مصرية في الغوطة الشرقية وريف حمص العام الماضي. كما تشهد السعودية عودة سريعة إلى دورها في لبنان، بالتزامن مع زيارة قام بها رئيس الوزراء سعد الحريري إلى الرياض، وهي الزيارة الأولى منذ أزمة تقديم استقالته في نوفمبر الماضي.
وقال عبدالمنعم سعيد، الخبير في الشؤون الإقليمية، “مع وصول التنسيق المصري السعودي إلى درجة غير مسبوقة، أصبحت الفرصة مهيأة أكثر من أي وقت مضى لإعادة الاعتبار للدور العربي الذي غاب خلال السنوات الماضية، وسمح لكل من إيران وتركيا بالتمدد الإقليمي”.
وأضاف سعيد لـ”العرب” أنه “بات على الساسة العرب إدراك أنه لا تسوية لأزمات المنطقة دون إعادة الاعتبار للموقف العربي، لأن غياب التعاون أدى إلى وضع بعض القضايا في حوزة دول غير عربية وتتحكم في مصائرها”.
وشدد على أن تقليص الدور الإقليمي لهذه الدول في المنطقة “يتطلب أولا تقليم أظافر إيران وتحجيم نفوذها وحرمانها من أهدافها، ولن يحدث ذلك من دون انسجام المواقف تماما بين مصر والسعودية والإمارات”.