كان من بين القادة الذين قاتلوا تحت إمرة قيادة الملك فيصل، رحمه الله، عندما انتصر في استعادة المناطق السعودية الجنوبية، ووصلت القوات السعودية إلى مدينة الحديدة، التي ما لبثت أن تركتها بعد 3 أشهر بعد توجيه من الملك عبد العزيز لتعود إلى حدود الدولة السعودية. وشارك في عدد من حروب التوحيد لاحقاً.
هذه سيرة اخترتها لأنها تختصر معاني كثيرة. اللواء سعيد جودت، كان في البداية ضابطاً في الحامية التركية، وهُزم أمام قوات الملك عبد العزيز، رحمه الله. وعندما مثل أمام الملك أمر بفك قيوده وبقية أسرى الحرب، وخيَّره بين أن يعود إلى تركيا أو أن يلتحق بقواته، فاختار اللواء جودت أن يلتحق بهذا القائد العظيم. ومن رفاقه من التحق به ومنهم من عادوا إلى بلادهم. جودت عمل في صفوف قوات السعودية الجديدة ولاحقاً وثق به الملك المؤسس وكلّفه بواحدة من أعلى الوظائف مرتبةً وأهميةً، قائداً للحرس الملكي.
الملك عبد العزيز كان شخصية استثنائية، لم يكن ضيق الأفق، ولا متعصباً. حمل رؤية متقدمة على زمنه، وعلى بقية زعماء المنطقة ببناء دولة ذات طموحات كبيرة، وكل من حاربهم وانتصر عليهم ضمهم إلى مؤسسات دولته. الملك عبد العزيز أسس مملكة حديثة تتسع للجميع، وضم في حكومته ومجلسه قادة القبائل ووجهاء المجتمع، أيضاً ضم مصريين وسوريين وفلسطينيين وعراقيين وليبيين وغيرهم. منحهم جنسية دولته وكانوا من رجاله، منهم من حارب خلفه ومنهم من خدم دولته الحديثة. كانت السعودية دولة فقيرة، بلا بترول، وترك هؤلاء بلدانهم إيماناً به وبمشروعه.
هذه القصة ربما تختصر ما لم يستطع فهمه بعض الذين ينظرون اليوم إلى مجتمعهم بعين ضيقة، يرون بلداً صغيراً، وموارد محدودة، ويحلمون بطموحات متواضعة. دبَّ فيهم الفزع خشية أن يتم تجنيس غير السعوديين، مع أن هذا ليس صحيحاً، سواء من يستحق وفق النظام أو من دونه. الخوف من هجمة الأجانب، وتذويب المجتمع، هواجس عامة نراها تجتاح كثيراً من الدول التي صارت تظهر فيها دعوات الإقصاء بحجة المواطنة الخالصة، في الأردن ولبنان والكويت وتركيا وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها. عنصرية ليست مقتصرة على السعوديين، بل من إفرازات التنافس في السوق، وطوابير البطالة، وجعلت التعبير عنها سهلاً، عبر وسائل التواصل السهلة والسريعة والحرة، فدبّ خلاف بين المتقوقعين والمنفتحين، بين القلقين والواثقين، بين قصيري النظر وأصحاب الطموحات الكبيرة والبعيدة. معظمهم، على الطرفين، من حملة النوايا الحسنة يريدون حماية أنفسهم وأولادهم ومصالحهم، لكن قد يقودهم أصحاب نوايا سيئة. للتوّ أفلتنا من قيود جماعة كانت تسمي نفسها الصحوة الدينية نجحت لعقدين من الزمن في نشر فكر إقصاء مَن يختلف معها، بعد أن جعلت الإسلام حكراً عليها. والآن يظهر مَن يريد أن يختصر الوطن على نفسه وأهله ويلغي غيرهم. هناك حقائق ثابتة مهما عبّر البعض وتمنى، الدولة للجميع لا لبعض الناس، مهما علت أصولهم أو امتدت جذورهم. وقوانين الدولة ودستورها هي المرجع وليست بالمفاخرة أو المنابزة. والذي حصل على الجنسية البارحة مواطن كامل، له نفس الحقوق التي لغيره ممن سبقوه.
سعيد جودت كان كردياً عراقياً، من عسكر الأتراك، جعله عبد العزيز من مواطنيه. وكذلك فعل مع الدكتور عبد الله الديملوجي، أيضاً عراقي من عسكر تركيا، خيَّره واختار العمل مع الملك عبد العزيز وأصبح سعودياً. وهناك يوسف ياسين ورشاد فرعون من سوريا، والمصري حافظ وهبة، والليبي خالد القرقني وغيرهم الكثير. وعندما تسلم الحكم الملك سعود أيضاً أبقاهم. وأَلِفنا في عهد الملك فيصل أن نرى في اجتماعاته ومجلسه شخصيات مثل د. رشاد فرعون.
وبالتالي ليس صحيحاً أن التجنيس بدعة، ولا أن الدولة قامت على البعض وللبعض دون غيرهم. السعودية مشروع دولة حديث متقدم منذ نحو تسعين عاماً، ضمت بين أهلها من سكانها مَن هم من الصين وروسيا وإلى الهند وبريطانيا. هذه ميزة كبيرة ومصدر فخر لنا ولهم، والانسياق وراء التقسيم والفرز يخدم فقط الذين يتمنون زرع أفكار إضعاف المجتمع وشرذمته. ولا أحد يريد تقديم الأجانب على المواطنين، فالمواطنة أولوية سياسة كل الدول تقريباً، لا يفترض أن تخلط بين مفاهيم مثل التوظيف والتجنيس وتشوش عليها. أمامنا بلد كبير وفرص عظيمة وقيادة بطموحات أكبر من أن نختصرها في تجاذبات من القرون الماضية.