قبل استقلال الكويت العام 1961 قدم رئيس وزراء العراق نوري باشا السعيد عرضاً سخياً على الدولة العتيدة: أن تنضم إلى اتحاد يضم العراق والأردن. أعرب الشيخ عبد الله السالم عن تقديره الشديد لكنه اعتذر عن عدم القبول: أسباب العرض واضحة، وأسباب الرفض أكثر وضوحاً.
الزعيم عبد الكريم قاسم لم يكن لديه الوقت الكافي للياقة الباشوات فأعلن ضم الكويت بعد استقلالها. وأرفق صدام حسين قرار الضم بعملية اجتياح انتهت بحرب شارك فيها نحو مليون عسكري. قدرت كلفة الاحتلال، في الاتجاهين، بنحو 300 مليار دولار.
الآن يرصد مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت 30 مليار دولار، هو في اعتقادي لا يكفي في بلد لم تتوقف أضرار الحروب فيه منذ نحو أربعين عاماً. وقد نظر الكثيرون إلى المؤتمر من ناحيته الرمزية، أي قيام الكويت المحتلة ذات مرحلة، بمبادرة بناء الدولة الغازية ذات مرحلة. والبعض الآخر أدخل الشماتة في نوعية الحدث، وهي لا تليق ولا تفيد.
والدروس أيضاً لا تفيد في عالمنا الذي كنا نغني له عربياً أبياً وهو مُخترَق الآن بثلاث قوى ذات عداء تاريخي مع العرب والعروبة: إيران وتركيا وإسرائيل. إلا أن المبادرة الكويتية تظل درساً سواء تعلمناه أم رأينا غداً دولة عربية تغزو دولة عربية أخرى وهي في الطريق إلى إسرائيل. وقد دُمِّر نصف العالم العربي ولا يزال ذلك التاريخ مقطوعاً.
لماذا دولة في حجم الكويت سوف تساهم في إعمار دولة تدعى بين النهرين من حيث الخصب التاريخي، وتتمتع بثاني أضخم احتياطي نفطي؟ النظام، لا شيء آخر. لأن الكويت تعيش في ظل نظام طبيعي عادي ليس فيه مشانق وسجون وحروب وظلمات، بينما يبدّد العراق ثرواته الهائلة – خصوصاً البشرية منها – على التململ العنفي في الداخل والخارج. ويستقبل لبنان مليوني نازح سوري وهو لا يملك من مساحة وثروة سوريا إلا القليل، لكنه اختار العيش في نظام بسيط عادي.
من مجرد مشاهدة للنشرات الإخبارية، يشعر المرء أن أموال العالم لا تكفي لإعادة إعمار سوريا والعراق. ولماذا كل هذا العنف على الناس والممتلكات؟ عندما دخلت جيوش الاتحاد السوفياتي وحلف فرصوفيا العام 1968 لقمع «ربيع براغ» لم تطلق عياراً واحداً حتى في الهواء. وكان الضحية الوحيدة للغزو طالباً أحرق نفسه يدعى يان بالاخ. الآن يقول العبادي إن ضحايا حرب «داعش» في العراق 18 ألف بشري. ضحايا الحرب مع إيران كانوا مليوناً. ضحايا الاحتلال الأميركي ليس هناك من يعرف. وليس في الأمر أهمية. فنحن، كما كتب الزميل راشد فايد في «النهار»، شعب غير قابل للانقراض.