الاضطرار إلى مواجهة {الإصلاح}
حسمت قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي السيطرة على مواقع استراتيجية في مدينة عدن جنوبي اليمن، وبذلك تكون الإدارة المحلية قد قطعت الطريق على حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي وقوات الحرس الرئاسي بقيادة نجله ناصر عبدربه منصور، ووجهت ضربة مركزة لنفوذ حزب الإصلاح الإخواني في المدينة.
ولطالما حاول حزب الإصلاح التهرب من حسم معارك استراتيجية في مواجهة الحوثيين، انتظارا لحصد مصالح ذاتية في مقدمتها السيطرة على عدن وإقصاء الشرعية. لكن الاشتباكات التي اندلعت الأحد، غيرت موازين القوى بشكل كبير ولمدة طويلة في المستقبل.
واندلعت المواجهات مع انتهاء المهلة التي منحها المجلس الانتقالي الجنوبي لإقالة حكومة أحمد عبيد بن دغر التي يتهمها المجلس بالفساد وسوء الإدارة واستبدالها بحكومة مصغرة لإدارة شؤون البلاد.
وسرعان ما دعا التحالف العربي إلى التهدئة. وأبدى بيان صادر عن التحالف تفهمه ضمنيا للمطالب الشعبية “إزاء تقويم بعض الاختلالات في القطاع الحكومي”، لكنه حث اليمنيين على “توجيه دفة العمل المشترك مع تحالف دعم الشرعية، لاستكمال تحرير كافة الأراضي اليمنية ودحر ميليشيا الحوثي الإيرانية ووضع حد لسيطرتها على موارد اليمنيين وحياتهم”.
ولا يشعر المسؤولون في التحالف العربي بالارتياح من المماطلة من قبل المسؤولين في الأجهزة التنفيذية في اليمن، كما يبدو أن صبر التحالف بدأ ينفد تجاه مماطلة عسكرية مقابلة في العمليات الحربية ضد الحوثيين على جبهات عدة.
وتقول مصادر إن المماطلة باتت أسلوبا مرتبطا بأي عمل مدني أو عسكري يشارك فيه حزب الإصلاح أو قادته، وهو ما يحوله إلى عبء على التحالف، بدلا من أن يكون قوة مساندة له.
وتوقعت مصادر سياسية مطلعة تمكّن التحالف العربي من احتواء الأزمة خلال الساعات القادمة، عبر تحفيز هادي على إصدار حزمة من القرارات تصب في اتجاه تخفيف حالة الاحتقان في الشارع الجنوبي، وتعيد الشراكة بين المجلس الانتقالي الجنوبي كطرف وحيد ممثل للقضية الجنوبية مع الحكومة الشرعية، بالإضافة إلى الاعتراف بالثقل الذي بات يمثله المجلس على المستويين السياسي والشعبي.
وقالت مصادر محلية في عدن لـ”العرب” إن قوات الحزام الأمني المقربة من المجلس الانتقالي تمكنت من إحكام سيطرتها على العديد من المواقع الهامة في محافظة عدن، في ظل مقاومة لازالت تبديها وحدات الحماية الرئاسية في بعض المناطق.
وأشارت المصادر إلى سيطرة الحزام الأمني على مقر الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء الذي تم افتتاحه قبل أيام، ومقر المحكمة العليا، وعدد من المباني الحكومية. وتركزت المواجهات في مديريتي “خورمكسر” و”المنصورة” لتمتد لاحقا إلى مناطق أخرى من بينها مديرية “دار سعد” القريبة من محافظة لحج (شمال عدن).
وحصلت “العرب” على وثيقة تتضمن توجيهات صادرة من رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، طالب فيها بعودة كل القوات العسكرية والأمنية إلى ثكناتها وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الاشتباكات. كما عقدت الحكومة اجتماعا طارئا في قصر “المعاشيق” بمنطقة كريتر، تمحور حول التداعيات الأخيرة التي شهدتها المدينة.
وطالب مجلس الوزراء في اجتماع استثنائي عقده برئاسة بن دغر في عدن بضرورة العودة إلى المرجعيات لحل الأزمة، واستكمال تنفيذ ما تبقى من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
وأكدت المصادر أن ما يحدث في عدن لن يتجاوز الخطوط الحمراء، إذ أن كل المواقف الرسمية الصادرة عن المجلس الانتقالي لازالت تؤكد على الاعتراف بشرعية هادي وتحرص على حصر المشكلة في ما تقول إنه “فساد إداري” وتردّ للخدمات في عدن.
ويمهد ذلك الطريق أمام تسوية سياسية مستقبلية، قد يتم بموجبها استيعاب التحولات في المشهد الجنوبي، والمساواة بين قوة المجلس على الأرض ووجوده الفاعل في مؤسسات الدولة في عدن، كما هو الحال في محافظة مأرب التي يسيطر حزب الإصلاح على معظم مفاصلها، مع الحفاظ على رمزية الرئيس والحكومة الشرعية.
وقال المتحدث الرسمي باسم محافظة عدن نزار هيثم لـ”العرب” إن “أعضاء السطلة المحلية في المحافظة يقفون مع المواطنين للمطالبة بحقوقهم باستخدام الطرق السلمية وإزاحة الفاسدين في الحكومة قبل أن ينهار المجتمع اقتصاديا وتنتشر الفوضى”.
وأضاف هيثم “بات الجميع يدرك أن تحالف بقايا المؤتمر والإصلاح، إحدى أذرع الإخوان المسلمين، مجرد تنظيمات سياسية فاشلة تسببت في انهيار اليمن طيلة حكمه لأكثر من 33 سنة، والإخوان في اليمن لا يتمتعون بأي تواجد أو تأييد شعبي، لكنهم يستغلون وجودهم في مؤسسات الدولة المختلفة لتحسين أوضاعهم ماديا واحتكار المناصب للمقربين والفاسدين منهم، ليسهل نهب المال العام وتوزيع المنح الدولية في ما بين منظماتهم وجمعياتهم الخيرية التي لا يستفيد منها الشعب”.
نزار هيثم: تحالف بقايا المؤتمر والإصلاح سبب انهيار اليمن
ولفت هيثم إلى أن هناك العديد من المحطات التي فاقمت من حالة الاحتقان في الشارع الجنوبي، تبدأ بما قال إنه “تجاهل تضحيات المقاومة الجنوبية وإهمال جرحاها”، بالإضافة إلى “المحادثات السياسية بين طرفي الشمال وهما الانقلابيون وحكومة الشرعية، واللذان لم تتضمن مشاوراتهما شيئا يذكر لتلبية مطالب الجنوبيين بشأن الإصلاح السياسي الشامل في اليمن، بما يضمن حق شعب الجنوب في تقرير مصيره”.
وعن السقف الذي يطالب به الجنوبيون اليوم في عدن، قال المتحدث باسم محافظة عدن إن “دعوات المقاومة الجنوبية وممثلي المكونات السياسية والمجتمع المدني والنقابات العمالية جاءت للبحث عن خارطة طريق للوطن تبدأ بإزاحة الفاسدين من الحكومة وإيجاد حل عادل للقضية الجنوبية، كما أن الشعب خرج للبحث عن تحول ديمقراطي كامل وليس مجرد ترقيعات وإصلاحات وهمية”.
وطالب أحمد بن دغر رئيس الحكومة الشرعية بعدم الصمت إزاء ما يحدث من ممارسات وصفها بأنها “ترقى إلى درجة الخطورة القصوى، تمس أمن عدن وأمن مواطنيها، وأمن واستقرار ووحدة اليمن”، معتبرا أنها “انقلاب على الشرعية ومشروع الدولة الاتحادية”.
وحذر بن دغر، في مقال نشره على صفحته الرسمية في الفيسبوك، من سعي إيران “للحصول على تعزيز لوجودها في اليمن عن طريق الحوثيين”، مضيفا “وبالتقسيم نحن نعطيها ثلث الأرض وثلاثة أرباع السكان لتحكم وتتحكم بهم”.
ودعا دول التحالف للتدخل ومنع انزلاق الأزمة في عدن “نحو المواجهة العسكرية الشاملة “، وطالب بوقف الاشتباكات والعودة إلى الحوار بين “أطراف الحكم في عدن”، و”ألا يقبل الحلفاء اليوم تصفية الشرعية التي رعت التحالف لخوض المعركة مع الحوثيين”.
كما ألمح إلى إمكانية تقديم الحكومة لاستقالتها إذا كان بقاؤها سيكون، حسب تعبيره، على “أشلاء اليمنيين أيا كانت انتماءاتهم، ووحداتهم، ومناطقهم وشعاراتهم”.
ومن جهته ثمّن المجلس الانتقالي الجنوبي على لسان الناطق الرسمي باسمه سالم ثابت العولقي، البيان الصادر عن دول التحالف العربي بقيادة السعودية.
وأكد المجلس في أول موقف معلن له منذ اندلاع المواجهات على التزامه لدول التحالف العربي والرئيس هادي “بالنهج السلمي في المطالبة بتغيير الحكومة والوقوف على الاختلالات في كافة المحافظات والوزارات التي انعكست سلبا على توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة للمواطن”.
كما أكد على الالتزام الكامل بالشراكة “في محاربة العدو المشترك وإنهاء الانقلاب المتمثل في مواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران وتحرير ما تبقى من المحافظات اليمنية”.
ولفت البيان الصادر عن المجلس الانتقالي إلى أن الخروج، يوم الأحد، حمل طابعا سلميا وسعى لتجنب الاحتكاك العسكري والمظاهر المسلحة وعدم المساس بمؤسسات الدولة.
وأبدى البيان استعداده للتعاون مع التحالف العربي من أجل حل الأزمة و”تصويب الاختلالات”.
وجاءت المواجهات عقب تصاعد التوتر السياسي والإعلامي بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي دعا أنصاره للزحف نحو عدن للمشاركة في سلسلة فعاليات للمطالبة بإسقاط الحكومة، وهو ما ردت عليه وزارة الداخلية في حكومة بن دغر من خلال بيان حذر من تنظيم أي مظاهرات قد تساهم في زعزعة الأمن في العاصمة المؤقتة.