تلقيت دعوة من جامعة الأزهر لحضور مؤتمر حول القدس في 15 و16 الحالي. وبكل صدق أقول إنني كنت أتطلع إلى مثل هذه الدعوة منذ سنوات طويلة. وبكل أسى، اعتذرت عن عدم التلبية لارتباطي بموعد ضروري في باريس منذ ستة أشهر، لكنني تمنيت على الأستاذ ناقل الدعوة أن تبقى قائمة، وأن يُرتب لي برنامج، إذا أمكن الأمر، يتوَّج بمقابلة مع الشيخ الأكبر الدكتور أحمد الطيب.
لم أطلب هذا الموعد من قبل لاعتقادي أن للأزهر عالمه المنشغل بقضايا لا متسع فيها لوقت مع المدنيين أمثالنا، لكنني في داخلي كنت أتطلع دوماً إلى هذا الصرح التاريخي على أنه مرسى للطمأنينة الروحية في العالم، وكنت أتتبع رسائل شيخ الأزهر إلى الناس في الأزمات الكبرى كمن يتلمس في اليمّ سواري النجاة.
وقد اختلف الأسلوب في الصرح ولم تختلف الرسالة، فكانت أحياناً تطغى صورة «البركة» على هيبة العلم، أو العكس، لكن الذي لا يزيد ولا ينقص هو الشعور بالاطمئنان وهالة الثقة. وبسبب هذه الهالة القائمة منذ مئات السنين، لم يعد الأزهر مرجعاً إسلامياً فقط، بل أصبح مرتكزاً يعاد إليه في المذاهب والأديان والحضارات. ويعتبر أول خطاب ألقاه الشيخ أحمد الطيب بعد تسلمه، وثيقة كبرى من وثائق التعايش الكوني.
أخبرني الأستاذ سليم اللاوندي، أحد أساتذة الأزهر، أن في الجامعة 400 ألف طالب؛ أي أن جيشاً من أهل العلم والفقه والالتزام ينضم إلى المجتمع كل عام، ولا بد أنه ينقل معه إلى هذا المجتمع ما تحصل عليه من آفاق ودروس وإنسانيات. وفي السنوات الأخيرة، عندما حفلت التلفزيونات بالجدل حول «داعش» ومفاهيم الإسلام، كان ظهور علماء الأزهر في تلك البرامج إضاءات منيرة مستنيرة، بعيداً عن لجاجة الجهل وفظاظة الجاهلين.
إذ أعتذر مرة أخرى، خاسراً المناسبتين: القدس والأزهر، أتمنى على الصرح ألا يحصر استقبال الصحافيين أمثالنا بالمناسبات والمؤتمرات، بل أن تتضمن زيارة مصر هذا الجانب المشرق من معالمها الحضارية والفكرية والقومية، وأن تتعدد الندوات والمنتديات للمدنيين.
ينقل الدكتور أحمد الطيب في زياراته وجولاته العربية والعالمية ثلاث صور راقية: صورة الإسلام، وصورة مصر، وصورة العرب؛ وليس ذلك بجديد على الكرسي العلمي الذي يشغله.