دور حاسم لقوى الأمن والجيش في منع الفوضى
قام الجيش التونسي بنشر قواته في مدن وبلدات عدد من محافظات البلاد لحماية المقرات الحكومية والمنشآت العامة، وذلك في تطور لافت يأتي على وقع تصاعد الاحتجاجات ضد غلاء المعيشة، التي تحولت إلى مواجهات عنيفة بين المُحتجين وقوات الأمن، وتخللتها عمليات تخريب واعتداءات على الأملاك العامة والخاصة.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تنظر فيه الأوساط السياسية والنقابية التونسية بكثير من القلق والانشغال لتطور الأحداث في البلاد التي تشهد ولليوم الثالث على التوالي، تصعيدا ميدانيا خطيرا، غذته الاتهامات المتبادلة بين الحكومة وأحزاب المعارضة.
ورغم دعوات التهدئة ومحاولات نزع فتيل الانفجار لمنع تدهور الأوضاع، لا تُخفي تلك الأوساط خشيتها من انزلاق الوضع نحو الانفلات الأمني، خاصة بعد تسجيل انسحابات مُتتالية لقوات الأمن من مواقعها، وسط علامات استفهام عديدة، وإقدام “المُحتجين” على حرق وتخريب العديد من المقرات الأمنية.
وتبدو هذه الخشية مشروعة في الكثير من جوانبها، لا سيما في أعقاب التصعيد السياسي لأحزاب المعارضة التي دعت إلى استمرار الاحتجاجات رغم الإجماع على أن ما تشهده تونس هذه الأيام، لا يمت بصلة للاحتجاج السلمي الذي يكفله الدستور، حيث تداخلت فيه العوامل السياسية، وتضاربت فيه المصالح الحزبية، وتشابكت مع نزعات فوضوية لا تولي أهمية للأمن والاستقرار في البلاد.
لكن هذه الخشية بدأت تتراجع نسبيا، لتفسح المجال أمام القليل من الأمل بإمكانية تجاوز هذا الوضع واحتواء تداعياته، من خلال ما أشاعه انتشار الجيش في عدد من المدن والبلدات الساخنة اجتماعيا لحماية المقرات الحكومية والمنشآت الحيوية، من تفاؤل بإمكانية الحدّ من أعمال الشغب والحيلولة دون الانزلاق نحو الانفلات الأمني والفوضى.
وقال شهود عيان إن وحدات عسكرية تمركزت أمام المقرات الحكومية في كبرى مدن وبلدات عدد من المحافظات، منها سيدي بوزيد التي عرفت انتشار القوات العسكرية في مدن جلمة والمكناسي والرقاب، وكذلك أيضا محافظة القصرين التي شهدت هي الأخرى تمركز قوات عسكرية أمام المقرات الحكومية والمنشآت الحيوية في مدينتي القصرين وتالة.
وقبل ذلك، نشر الجيش التونسي عددا من عرباته المُدرعة أمام المقرات الحكومية والمنشآت العامة في مدينة طبربة من محافظة منوبة الواقعة غرب تونس العاصمة، والتي شهدت ليلة الثلاثاء وفاة أحد المُحتجين اختناقا بالغاز المسيل للدموع.
كما نشر الجيش وحداته المسلحة في مدن محافظة الكاف، وخاصة في مدينة ساقية سيدي يوسف المحاذية للحدود مع الجزائر، والتي تشهد لليوم الثالث على التوالي مواجهات حادة مع قوات الأمن.
وساهم هذا الانتشار العسكري في التخفيف من حدة التوتر في تلك المناطق، كما ساهم في حماية العديد من المؤسسات والمقرات الأمنية والحكومية، لكن ذلك لم يمنع البعض من التحذير من استمرار إنهاك واستنزاف الجيش التونسي من خلال تكليفه بمثل هذه المهمات، لا سيما في هذه الفترة التي مازال فيها خطر الإرهاب يتربص بالبلاد.
ورحب الجنرال المتقاعد مختار بن نصر بدور الجيش التونسي في معاضدة جهود القوات الأمنية للحفاظ على الأمن داخل المدن والقرى، حيث قال لـ”العرب”، إنه “ليس غريبا على الجيش التونسي القيام بمثل هذه المهمات، وهو قادر على القيام بدوره، خاصة وأنه يحظى بثقة الشعب، ورجل الشارع العادي”.
وأضاف أن الجيش التونسي الذي رفع من أهبة استعدادات قواته، قام بتسيير دوريات مُتحركة، كما تمركزت وحداته أمام المقرات السيادية الحكومية والمؤسسات والمنشآت لحمايتها من التخريب والنهب.
غير أنه اعتبر أن مثل هذه المهام من شأنها “إلهاء” الجيش عن مهمته الأصلية، أي الدفاع عن الوطن، من خلال حماية حدوده البرية والبحرية، والتصدي للإرهاب خاصة في هذه الفترة التي مازال فيها خطر التطرّف يتربص بالبلاد بالنظر إلى التطورات الإقليمية والدولية.
وحذر من أن ما تشهده البلاد من حالة احتقان اجتماعي تطورت إلى أعمال عنف ومواجهات مع قوات الأمن، ترافقت مع عمليات نهب وتخريب وحرق في عدد من المدن والقرى، تُشكل بيئة مناسبة للإرهابيين للتسلل إلى تلك المدن والقرى لمزيد تعكير الوضع والدفع به نحو الفوضى التي تمكنهم من تحقيق مبتغاهم.
وشاطرت بدرة قعلول، رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية، ما ذهب إليه الجنرال مختار بن نصر، وقالت ، “إن خروج الجيش من ثكناته لحماية المؤسسات والمنشآت والمقرات الحكومية، في مثل هذا الوضع الأمني، أمر إيجابي”.
ووصفت هذه الخطوة بـ”المحمودة”، و”الضرورية” للحفاظ على الاستقرار في البلاد، والحيلولة دون حدوث انزلاقات لا تحمد عقباها، ولكنها أعربت في المقابل عن خشيتها من الاستمرار في الاتكال على المؤسسة العسكرية للقيام بمثل هذه المهام الأمنية الموكولة أصلا إلى الأمن والحرس (الدرك)، من شأنه استنزاف قدرات الجيش.
ويرى مراقبون أن تدخل الجيش ساهم في تراجع استهداف المقرات الرسمية والمؤسسات الحيوية، كما ساهم أيضا في تراجع منسوب الاحتجاجات بشكل عام، رغم التصعيد الذي اتسم به خطاب المعارضة التي دعت، الخميس، إلى المزيد من الاحتجاجات.
وأكد هذا الرأي، العميد خليفة الشيباني الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية الذي أشار، الخميس، إلى أن وتيرة الأعمال التخريبية شهدت تراجعا بالمقارنة مع ما حدث خلال الليالي السابقة.