العمامة واحدة
اكتفى عدد من الدول الغربية بإطلاق تصريحات تدعو إيران إلى تفهّم مطالب المحتجين وحث طهران على عدم استعمال العنف، في وقت يحتاج فيه الإيرانيون إلى ضغوط عملية ضد تعنت السلطات التي باتت تعتقد أن ما يجري مجرد مؤامرة. لكن مراقبين يقولون إن إيران ما بعد المظاهرات لن تكون ما قبلها سواء اعترفت السلطات بمشروعية المطالب أم لم تعترف.
واختفت مواقف بريطانيا وفرنسا وألمانيا وراء حماس الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتغيير في إيران، لكن دعمه لهذا الحراك لم يتجاوز مستوى التغريد على شبكة تويتر ليبدو تفاعلا شخصيا أكثر منه موقفا رسميا أميركيا.
وقال ترامب في أحدث تغريداته منذ اندلاع احتجاجات مناهضة للحكومة الإيرانية الأسبوع الماضي إن الولايات المتحدة ستدعم المحتجين في إيران “في الوقت المناسب”.
وكتب في تغريدة على تويتر “نحترم شعب إيران وهو يحاول إبعاد حكومته الفاسدة. ستجدون دعما كبيرا من الولايات المتحدة في الوقت المناسب”.
ويقلّل محللون سياسيون من تأثير هجمات ترامب التويترية على إيران، لافتين إلى أن الرئيس الأميركي المندفع بات يترك انطباعا لدى المتابعين له بأنه يتصرف في واد آخر غير موقف الدبلوماسية الأميركية التي تتحكم بها المؤسسات التقليدية مثل البنتاغون ووزارة الخارجية ومؤسسة الكونغرس.
ويلفت هؤلاء المحللون إلى أن تغريدات ترامب لا تفعل شيئا سوى أنها توفر لإيران المسوغ الضروري لاتهام جهات خارجية بالوقوف وراء الانتفاضة الشعبية، وأن على الولايات المتحدة إعادة النظر في كيفية تأثير سياستها الأوسع نطاقا بشأن إيران على ما يحصل داخل الجمهورية الإسلامية.
ويقول مايكل سينغ، المحلل السياسي والمدير في معهد واشنطن، إن على الإدارة الأميركية أن تكف عن التودد لـ”المعتدلين” في النظام، فقد بذلت مثل هذه الجهود على مدى عقود، وبلا جدوى إلى حد كبير. وبدلا من ذلك، بإمكان الولايات المتحدة تشديد الخيارات التي تواجه إيران ككل -وتعزيز حجج البراغماتيين الذين يدعون إلى تغيير السياسة- من خلال رفع تكاليف المجازفة الإيرانية في المنطقة وسعيها إلى تطوير قدراتها النووية مع إبقاء المجال مفتوحا أمام الدبلوماسية إذا رغبت إيران في تحقيق مصالحها بسلام.
ولم تكن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، هيذر نويرت، على دراية تامة بما يجري في إيران، حيث قالت وفق ما نقل عنها حساب الوزارة على تويتر “سمعنا من بعض المتظاهرين مخاوفهم من إنفاق أموال إيران على أنشطة خبيثة في بلدان أخرى مثل سوريا ودعم حزب الله ودعم الأسلحة المرسلة إلى جميع أنحاء العالم بدلا من الإنفاق على شعبها”.
وتبدو أوروبا أكثر ترددا، فهي تتجنب الانزلاق وراء الحماس الذي يناصر قيم حقوق الإنسان، وعينها في ذلك على المزايا التي يوفرها الاتفاق النووي لشركاتها في إيران. فقد اكتفت ألمانيا بدعوة طهران إلى الاستعداد للحوار مع المتظاهرين.
مايكل سينغ: على واشنطن أن تكف عن التودّد لـ"المعتدلين" في النظام الإيراني
وقالت نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية، أولريكه ديمر، الأربعاء في برلين إن الحكومة الألمانية تتابع بقلق التطورات في إيران، مشيرة إلى أنه على الحكومة الإيرانية مراعاة حرية التجمهر والتعبير عن الرأي.
وأكدت متحدثة باسم وزارة الاقتصاد الألمانية أنه لا توجد حتى الآن تحليلات بشأن ما إذا كان الوضع الراهن سيؤثر على الضمانات المالية المستقبلية التي تقدمها الحكومة لشركات الأسلحة الألمانية على صفقات السلاح مع إيران.
ولم يخرج الموقف الفرنسي أو البريطاني عن تسجيل الموقف بشكل عام، حيث أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في اتصاله الثلاثاء مع نظيره الإيراني حسن روحاني على ضرورة إظهار ضبط النفس في التعامل مع الاحتجاجات.
ودعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، الثلاثاء، بدورها إيران إلى إجراء نقاش هادف لفهم الأسباب التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات.
ودعت صحيفة صنداي تايمز البريطانية الأوروبيين إلى إعادة النظر في سياستهم تجاه إيران على ضوء الاحتجاجات الحالية. وتساءلت “هل من المصلحة الغربية أن تصعد إيران وتصبح القائد العسكري للمنطقة؟ كيف نصل للإيرانيين البسطاء ونقنعهم بأن النشاط المخرب لحكومتهم في الخارج يقوض سمعتهم في العالم؟”.
وسجل مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين الأربعاء موقفا أكثر وضوحا حين حث إيران على كبح جماح قوات الأمن بهدف تفادي تأجيج العنف واحترام حقوق المحتجين في حرية التعبير والتجمع بشكل سلمي.
واستغلت السلطات الإيرانية الارتباك الغربي لتعلن أنها قادرة على إنهاء “الفتنة” سريعا، مثلما ورد الأربعاء على لسان قائد الحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري.
وقال جعفري في تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني للحرس الثوري “في الفتنة هذه، لم يتجاوز عدد الذين تجمعوا في مكان واحد 1500 شخص، ولم يتجاوز عدد مثيري الاضطرابات 15 ألفا في كل أنحاء البلاد”.
وأضاف أن “عددا كبيرا من مثيري الاضطرابات في وسط الفتنة تم اعتقالهم وستتخذ بحقهم تدابير صارمة”، وأن آلافا منهم يقيمون في الخارج وتدربوا على أيدي الولايات المتحدة، مشيرا إلى أن الحرس الثوري تدخل “بصورة محدودة” فقط في محافظات إصفهان ولورستان وهمدان.
وأوردت وكالة مهر للأنباء خبرا عن مقتل ثلاثة من قوات المخابرات الإيرانية في مدينة بيرانشهر غرب البلاد في معركة مع “معادين للثورة”.
لكن متابعين للشأن الإيراني شددوا على أنه سواء توقفت الاحتجاجات أم استمرت، فإن إيران ما بعد التظاهرات الشعبية الغاضبة لن تكون كما قبلها، وأن الشارع تجرأ على السلطات بشكل أكثر تأثيرا من احتجاجات 2009، لافتين إلى أن أدوات الهيمنة الدينية أصبحت محدودة التأثير، ما يجعل تجدد الاحتجاج واردا في أي وقت.