الرئاسة التونسية : المعلومات الأمنية جدية
تحاول السلطات التونسية تطويق تداعيات أزمة تم تضخيمها مع الإمارات التي اتخذت قرارا ظرفيا بوقف استقبال التونسيات القادمات على خطوط طائراتها لاعتبارات أمنية تتعلق بمعلومات استخبارية غربية، تم إعلام تونس بها أيضا، تتحسب لهجوم تنفذه امرأة حاملة لجواز سفر تونسي في احتفالات رأس السنة.
ووجدت الجهات الرسمية التونسية نفسها بين واجب الحفاظ على علاقاتها مع الإمارات، أحد أبرز شركائها الاقتصاديين، وبين حملة مزايدة سياسية ظاهرها يستهدف القرار الإماراتي، لكنها في العمق تضغط على الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وحكومة يوسف الشاهد لأهداف سياسية بينها دفع تونس إلى التحالف مع قطر وتركيا والقطع مع الحياد الذي تبديه في الأزمة الخليجية.
وأكد وزير الخارجية التونسي السابق منجي الحامدي أن العلاقات التونسية-الإماراتية أقوى من أن تؤثر فيها زوبعة عابرة من قبيل الزوبعة التي أثيرت خلال الأيام الثلاثة الماضية حول منع التونسيات من السفر على متن الطائرات الإماراتية من وإلى تونس.
وقال الحامدي لـ”العرب” إن العلاقات بين تونس والإمارات علاقات “عريقة تحكمها قيم الأخوة ومبادئ الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، والتعاون الصادق على مختلف الأصعدة الذي انعكس إيجابيا على المستوى السياسي والاقتصادي والاستثماري”.
ويأتي هذا التأكيد، فيما تشهد تونس منذ ثلاثة أيام تصعيدا إعلاميا غير مسبوق وسط حراك مُتداخل مع تجاذبات سياسية وحسابات حزبية ضيقة، انطلق على خلفية قرار اتخذته الخطوط الجوية الإماراتية بمنع التونسيات من السفر على متن طائراتها من وإلى تونس في سياق إجراءات أملتها معلومات أمنية استخبارية حول تهديد إرهابي مُحتمل.
وردت وزارة النقل التونسية مساء الأحد، على القرار الإماراتي بـ”تعليق رحلات شركة الخطوط الإماراتية من وإلى تونس إلى حين تمكن الشركة من إيجاد الحل المناسب لتشغيل رحلاتها طبقا للقوانين والمعاهدات الدولية”.
وترافق هذا القرار مع تحركات سياسية تونسية رسمية لافتة طغت على كل القضايا الهامة والتحديات المطروحة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، حيث اجتمع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الاثنين، مع وزيره للخارجية خميس الجهيناوي، واستعرض معه “مستجدات التحركات الدبلوماسية التونسية إثر الإجراء الإماراتي”.
وقال الجهيناوي إن الرئيس السبسي “شدد على ضرورة صون كرامة كل المواطنين التونسيين داخل وخارج أرض الوطن، وأكد حرصه على عدم المسّ بحقوق المرأة التونسية مهما كانت الدواعي والمبررات”.
وأوصى في المقابل، بالعمل على “تجاوز هذه الإشكالات في أقرب الأوقات حفاظا على علاقات الأخوة والتعاون القائمة بين الشعبين التونسي والإماراتي”.
وحذر الحامدي في تصريحه لـ”العرب” من تداعيات توظيف هذه “الزوبعة” سياسيا، ودعا إلى التهدئة ومعالجة المسألة في حدود علاقات الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة بين البلدين.
وتابع أن المسألة مُجرد “زوبعة عابرة” يُمكن تجاوزها بالحكمة والإرادة السياسية المشتركة لترسيخ علاقات متينة على مبادئ الأخوة والتعاون المشترك.
وكان الإجراء الأمني الإماراتي قد تم توظيفه من خلال إبعاده عن جوهره عبر الإيحاء بأنه موجه ضد المرأة التونسية، ما تسبب في حالة من الاستياء لم تتوقف رغم تأكيدات الرئاسة التونسية بأن المسألة أمنية وليست موجهة ضد المرأة التونسية.
وأكدت سعيدة قراش، الناطقة باسم الرئاسة التونسية، الاثنين، أن السلطات الإماراتية “بحوزتها معلومات أمنية تفيد بإمكانية قيام تونسيات أو نساء حاملات لجوازات سفر تونسية بتنفيذ عمليات إرهابية”.
وأضافت في تصريحات بثتها إذاعة “شمس أف أم” أن المعلومات المذكورة “جدية وتأتي على إثر مغادرة مقاتلين لسوريا”.
ولم توضح مصدر المعلومات الأمنية التي وصفتها بـ”الجدية”، غير أن مصادر سياسية وأمنية تحدثت عن أن جهازا استخباريا غربيا كان قد أبلغ الجانبين الإماراتي والتونسي بتهديد إرهابي خطير يستهدف الناقلة الجوية الإماراتية، وتستعد لتنفيذه امرأة تحمل جواز سفر تونسيا.
واعتبرت قراش “أن ما يحدث بين تونس والإمارات لا يرقى إلى حدود الأزمة الدبلوماسية”، وأن “الأمور لا تدار بروح عدائية”.
وقبل ذلك، كتب أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في تدوينة نشرها (الأحد)، في تويتر، لقد “تواصلنا مع الأخوة في تونس بمعلومة أمنية فرضت إجراءات محدّدة وظرفية”.
وأضاف أن الإمارات “تفتخر بتجربتها في تمكين المرأة”، حيث قال “نقدر المرأة التونسية ونحترمها ونثمن تجربتها الرائدة، ونعتبرها صمام الأمان، ولنتفادى معا محاولات التأويل والمغالطة”.
وتواصل التصعيد الإعلامي غير آبه بمصالح التونسيين المُقيمين في الإمارات الذين يُقدر عددهم بنحو 28 ألف نسمة، ما دفع المراقبين للشأن التونسي إلى التحذير من هذا التوظيف السياسي.
وقال المراقبون إن الحملة التي تقودها النهضة من وراء ستار، ونجحت من خلالها في اللعب على العواطف، وخاصة الإيهام بأن القرار يستهدف المرأة التونسية بسبب المكاسب التي تحققت لها، تهدف بالأساس إلى تصعيد الأزمة مع الإمارات لصالح قطر التي عجزت عن إدارة أزمتها مع الجيران فأوكلت مهمة التنفيس عنها لوكلائها من الإسلاميين، واستثمار أي حادث عرضي للهجوم على خصومها من رباعي المقاطعة.
ولفت الأمين العام لحزب مشروع تونس محسن مرزوق على حسابه في فيسبوك إلى أن الغضب مما حصل تحاول استغلاله قيادات “أحزاب الترويكا السابقة ومواقعها الإلكترونية المعروفة التي تفننت في ترويج الأكاذيب والشائعات ومحاولات جر التونسيين لخدمة أجندة صراع عربي في الخليج لصالح دولة لم تطلب ولاء منهم ولكنهم يتقزمون لخدمتها”.
وأشار المراقبون إلى أن الحملة عملت على خلط الأوراق في مختلف الاتجاهات مثل الإيهام بأن الإمارات تستبق خطة خليجية لمعاقبة تونس على انفتاحها على الدوحة وأنقرة، وهو ما يعني شحن الرأي العام المحلي للاصطفاف وراء قطر وتركيا اللتين خسرتا تعاطف الشارع التونسي بشكل واسع في علاقة بأزمات سابقة خاصة ما تعلق بشبهات تسفير التونسيين إلى سوريا، فضلا عن إغراق الاقتصاد التونسي بمنتجات تركية أضرت بالاقتصاد الوطني، قبل أن يتدخل البرلمان لسن إجراءات حمائية ضد المنتجات التركية.
وجاءت حملة التشويه ضد الإمارات ساعات قبل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس، بهدف تحويل الأنظار عنها، والحيلولة دون استقباله باحتجاجات كبيرة بسبب دور تركيا في تخريب الاقتصاد التونسي.
ومن الواضح أن النهضة استفادت من تردد غالبية الطبقة السياسية ورضوخها للشعارات لتمرير أجندتها في استهداف دولة عربية شقيقة.
ولم تكن البادرة الإماراتية، الهادفة إلى حماية أمنها القومي، هي الأولى التي تتخذ بسبب الأوضاع في تونس، فقد سبقتها في السنوات الماضية فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة دون أن تقابل هذه الخطوات بحملة بهذا الحجم سياسيا أو إعلاميا، ما يكشف وجود يد تحركها من وراء الستار ولغايات خاصة.