مسيحيون يتبادلون التهاني بعد قداس في كنيسة بمنطقة الكرادة في بغداد أمس
وسط أجواء هادئة وبدءاً من الموصل شمالاً وحتى البصرة في أقصى الجنوب العراقي، أحيا المسيحيون في العراق بمختلف طوائفهم أعياد الميلاد، أمس، بخلاف السنوات الثلاث الأخيرة التي هيمن فيها الخوف عليهم جراء ممارسات تنظيم داعش بحقهم.
وفيما يعبر رئيس كتلة الوركاء في البرلمان العراقي النائب جوزيف صليوة في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن ارتياحه «نتيجة الأجواء الإيجابية التي شهدتها احتفالاتنا هذا العام، ما يعكس رغبة كل العراقيين في العيش بأمن وسلام بعد هزيمة تنظيم داعش»، فإنه لا يزال يرى أن «الأوضاع لم تستقر نهائياً بسبب وجود الفكر الداعشي سواء على مستوى الحواضن التي نحتاج إلى القضاء عليها في مناطق كثيرة من البلاد، أو الفكر الذي لا يزال تتم تغذيته من منابر مختلفة بالضد، ليس منا فقط كمكون مسيحي، بل بالضد من كل العراقيين الذين يشاطروننا الرؤية في بناء دولة عدالة ومساواة ينعم فيها الجميع بالعيش الرغيد طبقاً للقانون».
من جهته، دعا عمار الحكيم الذي يتزعم تيار الحكمة إلى إنصاف المسيحيين جراء الظلم الذي لحق بهم من جرائم عصابات «داعش» الإرهابية. وقال بيان صدر عن مكتب الحكيم إن «هذه الذكرى تأتي والعراقيون جميعاً يرفلون بعز الانتصار الكبير الذي حققه أبطال قواتنا المسلحة بمختلف تسمياتها وصنوفها على أعداء الإنسانية الدواعش الأشرار، وإنها لمناسبة مهمة نعبر فيها عن تمسكنا بوجود المسيحيين لوناً زاهياً في باقة الورد العراقية». ودعا الحكيم «الجهات المختصة لإنصافهم والمباشرة برفعِ الحيف والظلم الذي لحق بهم جراء أفعال (داعش) الإجرامية».
وفي الموصل التي غابت عنها كل مظاهر الحياة منذ يونيو (حزيران) عام 2014 وحتى قبل شهور حين تم الإعلان عن تحريرها من تنظيم داعش، أحيا مسيحيوها احتفالات أعياد الميلاد وسط أجواء آمنة، وأقيم قداس «الميلاد» في كنيسة مار بولص للكلدان في الموصل للمرة الأولى منذ سقوط حكم تنظيم داعش وسط إجراءات أمنية مشددة.
وكان تنظيم داعش منع كل مظاهر الحياة في المدينة خصوصاً بالنسبة لأبناء الديانات والطوائف الأخرى. وكان المسيحيون في الموصل أجبروا على مغادرتها إلى إقليم كردستان أو إلى خارج العراق، لكن أعداداً كبيرة منهم عادت بعد تحريرها. وفي هذا السياق، يرى رئيس كتلة الوركاء البرلمانية أن «الأوضاع من حيث الظاهر سواء في الموصل أو في عموم البلاد تشير إلى وجود احترام للمكون المسيحي الكلدوأشوري السرياني المسيحي، لكن في الحقيقة ما زلنا نشعر أن المشكلات من حيث الجوهر لا تزال قائمة بسبب استمرار هيمنة فكر المتطرف، إذ إننا نرى أن الأخطر من دواعش العسكر هم دواعش الفكر وهؤلاء لا يزالون موجودين ويتحكمون بكثير من المقادير، ما يتطلب من أطياف المجتمع العراقي، الذي هو أصلاً مجتمع مدني متسامح، الوقوف بوجه هؤلاء وهزيمتهم حتى لا تتكرر المآسي مرة أخرى». ويضيف صليوة أن «التمييز لا يزال موجوداً حتى على صعيد احتساب العطل، إذ إن مجلس الوزراء عطل الدوام الرسمي للمسيحيين فقط، بينما يفترض أن تكون هذه المناسبة عطلة وطنية لكل العراقيين حتى لا تتحول وكأنها منة علينا».
وحذر صليوة من «وجود محاولات لا تزال مستمرة لتغيير ديموغرافي في سهل نينوى الذي هو أصلاً منطقة غالبية سكانها من المسيحيين، وبالتالي ما زالت المخاطر لم تنتهِ كلياً»، مبيناً أن «الحل الوحيد لبقائنا في العراق الذي نسكنه من 6 آلاف سنة هو إقامة دولة مدنية عابرة للأعراق والطوائف».
من جهة أخرى، يرى ريان الكلداني، رئيس حركة بابليون، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاحتفالات التي جرت في عدد من المناطق سواء في الموصل أو غيرها إنما تعبر عن أمل حقيقي في تخطي الأزمة»، مبيناً أن «المطلوب الآن بعد التحرير هو إعادة المهجرين المسيحيين إلى مناطق سهل نينوى»، كاشفاً عن «وجود عوائل مسيحية لا تزال محاصرة في منطقة تلسقف التي هي تحت سيطرة قوات البيشمركة الكردية». وأوضح أن «الاحتفالات التي جرت بأعياد الميلاد لم تقتصر هذه المرة على المسيحيين بل تحولت إلى احتفالات وطنية شارك فيها المسلمون والصابئة والإيزيديون، ما يؤكد أن العراقيين جميعاً تواقون للتلاحم فيما بينهم وهي رسالة بليغة لكل المتطرفين بأنه لم يعد لهم وجود في العراق».
وطبقاً لمسؤولين محليين في الموصل، فإن نحو 90 في المائة من المسيحيين فروا من الموصل منذ اجتياح العراق من قبل القوات الأميركية عام 2003. وبحسب دريد حكمت طوبيا، مستشار محافظ نينوى لشؤون المسيحيين، فإن «ما بين 70 إلى 80 عائلة مسيحية عادت إلى الموصل وستتبعها أخرى».