كان الرئيس الفرنسي الجنرال شارل ديغول هو الذي اعتاد حينما يأتيه ضيف عارضاً قضية أن يطلب من معاونيه إحضار الخرائط. هو مثل آخرين من عصره كانت الرؤية الجيوسياسية تنطق بالكثير من أبعاد علاقات الدول. ولا يحتاج أمر العلاقات المصرية - السعودية الحميمة وما نجم عنها من إنشاء «مجلس التنسيق السعودي - المصري» إلا إلى نظرة على الخريطة التي تضعهما معاً على حافة البحر الأحمر الذي يفلق العلاقة بين قارتي آسيا وأفريقيا حاملاً هم علاقاتهما بأوروبا مضافاً إليها 15 في المائة من حجم التجارة العالمية بين الشرق والغرب. الخرائط هنا لا تنطق وحدها على القرب الذي يجعل اليابسة بين مصر والسعودية تلتحم عند مضيق تيران، حيث كانت السفن تربط ما بين المصريين والسعوديين ذهاباً وإياباً ليس فقط إلى الحج وإنما أكثر من ذلك للتبادل الإنساني والاقتصادي. خليج العقبة ظل طوال التاريخ رابطاً؛ وفي أزمنة سابقة كانت سكة حديد الحجاز تربط ما بين المشرق العربي ومغربه. اليوم، وفي ظلال الحديث عن العلاقات المصرية - السعودية، استأنفت مصر خط سكك حديد بين الفردان على قناة السويس والعريش تمهيداً لعدد من مشروعات السكك الحديدية ذات الخطوط السريعة، أولها الذي يجري إنشاؤه بين «طابا» على رأس الخليج والعريش أيضاً. السعودية من جانبها تخطط لهذا الربط بين شرقها وغربها، وبين العاصمة الرياض والحواضر السعودية في شرقها وغربها. ما يبدو لافتاً مشهد عمليات التنمية السعودية في محافظة العلا في شمال غربي المملكة وكيف تلتقي بأكبر مشروع تنموي مصري حالياً وهو تعمير شبه جزيرة سيناء في الشمال الشرقي لمصر.
ما حدث خلال السنوات العشر الماضية في كل من السعودية ومصر صنع تاريخاً يترجم الجغرافيا السياسية إلى آفاق تحتاج إلى درجات عالية من التنسيق المؤسسي الذي يأخذ رؤيتين للقاهرة والرياض تدخلان في عام 2030 إلى اكتمال تغييرات جوهرية في جغرافيا كلا البلدين. في مصر، فضلاً عن مضاعفة حجم المعمور المصري من 7 في المائة في عام 2010 إلى 15 في المائة الآن، فإن المصريين للمرة الأولى في تاريخهم ينتقلون من الازدحام حول النيل إلى سواحل البحرين المصريين، الأبيض والأحمر، وخليجي العقبة والسويس، وسواحل 14 بحيرة مصرية. في السعودية تم اختراق إقليم مساحته مليونا كيلومتر مربع ما بين الخليج العربي والبحر الأحمر، حيث تنشأ المدن وترتبط الشواطئ بالبر الفسيح. هذه التغيرات طوَّرت العلاقات بين البلدين وجعلت نتائجها كثيفة تعكس غناها، لكنها أيضاً تتطلب الكثير من الحماية ضد البيروقراطية، ومخاطر الدس الإقليمي والدولي. التنسيق المؤسسي هنا يؤكد على سلاسة العلاقات وغناها، وما تحتاج إليه من قرب سياسي على مستوى القمة يضمن الفاعلية الاقتصادية والاستراتيجية.
مساحة المقال لا تسمح بسرد أنواع العلاقات والتفاعلات كافة بين البلدين، لكنها شاملة أبعاداً كثيرة تقرّب الشواطئ وتدفع في اتجاه السعي نحو الاستقرار التنموي، ومواجهة أوضاع غير مستقرة في إقليم لم تهدأ زلازله منذ «الربيع العربي» المزعوم الذي ترك وراءه كماً من الحروب الأهلية؛ وكماً أكثر صعوبة من الخروج عن الدولة الوطنية العربية، ومؤخراً الانفجار الكبير الذي جرى للقضية الفلسطينية. والمؤكد هو أن العالم العربي في مشرقه ومغربه ينظر إلى العلاقات المصرية - السعودية في تعاملها الناضج مع واجب الحفاظ على الدولة من المغامرة والمقامرة بمصائر شعوب ودول، ويضع عليها عبء التفكير والتدبير للخروج من الأزمة والمأزق الراهن. المبادرة السعودية بإنشاء التحالف الدولي لوضع حل الدولتين موضع التطبيق مكوناً من الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية، والدول الإسلامية الأعضاء في مؤتمر الدول الإسلامية، مضافاً إليهما الاتحاد الأوروبي ما يشكّل الخطوات الأولى نحو جبهة عالمية لمساندة الحل الوحيد للقضية الفلسطينية والمسألة الإسرائيلية في آن واحد، حيث تتعايش الدولة الفلسطينية المستقلة جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل كترجمة مباشرة للمبادرة العربية للسلام.
مجلس التنسيق المصري - السعودي سوف يقابله نوعان من التحديات: أولهما ممكن وهو تعميق العلاقات المصرية - السعودية وحمايتها من الأخطار التي عادة ما تفرزها الحماقة للتفريق ما بين البلدين. والآخر أن الإقليم الذي تولدت فيه مبادرة مجلس التنسيق يحمل أخطاراً بالغة، حيث النيران متقدة، وهناك ما يكفي من الغضب لكي يستمر الاشتعال قائماً. لكن التاريخ يشهد أنه من الممكن تجاوز ذلك كما حدث في مراحل سابقة.