أردوغان يستعين بالإخوان لدعمه في الانتخابات التركية المقبلة

السبت 29 يناير 2022 5:07 م
أردوغان يستعين بالإخوان لدعمه في الانتخابات التركية المقبلة

التوقيت ليس مناسبا لرفع هذه الشعارات

جنوب العرب - لندن

يعكس انعقاد مؤتمر في مدينة إسطنبول تحت عنوان "شباب التغيير.. عقد من النضال وخطوة للمستقبل" وحضرته قيادات من الإخوان المسلمين المصريين ألقوا كلمات خلاله سعيا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتوظيف الجماعة وقياداتها لكسب الانتخابات المقبلة في ظل التدهور السريع لشعبيته على وقع الأزمة الاقتصادية التي تعرفها تركيا، حيث يحاول الإخوان تصوير أردوغان لدى الشارع التركي بأنه بطل إسلامي يريد انتشال البلاد من الانتكاسات التي تسبب فيها العلمانيون لكن نجاح هذه الدعاية يبقى غير مضمون.

طرأت تغيرات على مستوى أساليب توظيف جماعة الإخوان في تركيا التي لم تعد كما كانت في العقد الماضي وسيلة لتوسيع النفوذ الخارجي، حيث تحولت إلى أداة ضمن أدوات أخرى لتكريس سلطة حزب العدالة والتنمية وورقة لا غنى عنها لتجاوز تحدي انتخابات العام المقبل.

ولم يعد منطقيا قبول تفسير أنشطة الجماعة داخل تركيا من منطلق اعتبارها ذراعا سياسية لفرض الهيمنة على الفضاء العربي والتدخل في شؤون الدول الداخلية بعد الفشل في المواءمة بين الإسلامية وتحقيق المدنية وتدشين برامج التنمية في أثناء صعودها للسلطة أو بعد عزلها، حيث عزلت الجماعة نفسها لتشنجها وعنصريتها وممارستها العنف والاغتيال مع من اختلف معها فضلًا عن انقساماتها وصراعاتها الداخلية.

وفي ظل انكشاف جماعة الإخوان وقرب نهايتها عربيا ومساعي تقارب النظام التركي مع خصومه السابقين في مصر ودول الخليج، فرض هذا التساؤل نفسه: ما جدوى تنظيم فعاليات للجماعة بالداخل التركي لا تختلف كثيرًا في المضمون والشكل عن تلك التي نظمتها الجماعة خلال محاولات أنقرة إعادتها للسلطة في القاهرة بعد أحداث العام 2013 من حيث إبداء مستويات عالية من التحالف بين تركيا والتنظيم الدولي للإخوان، فضلًا عن التشارك في بعث رسائل سلبية محملة بخشونة لأطراف عربية؟

خطاب من الماضي

بدا من التطورات الأخيرة أن جماعة الإخوان لا تزال تمثل أهمية حيوية للنظام التركي الحاكم، فعلى الرغم من عدم تحقيق كل المأمول والمخطط له من توظيفها خارجيًا حققت بجهدها المتاح وبالقدر الذي سمحت به الظروف إقليميًا حضورا نسبيا.

ويظل الجانب الأهم هو ما حققه النظام التركي الحالي بجهود الجماعة فيما يتعلق بتثبيت النظام الرئاسي والحكم الفردي وتجفيف المشهد التعددي السياسي والثقافي أو ما يؤمل تحقيقه عبر الاستعانة بها في الفوز بالانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرر إجراؤها في يونيو 2023.

وتشير كل التوقعات إلى أن أردوغان سوف يلاقي خلالها صعوبات جمة، وتبدو خياراته فيها محدودة، في حين تبقى ورقته الدينية والإسلامية هي التي يستطيع التعويل عليها بقوة لتعويض التشتت والتراجع الذي عكسته نتائج الانتخابات المحلية السابقة فضلًا عن مستويات شعبيته المتدنية.

أثير هذا الجدل على خلفية انعقاد مؤتمر بمدينة إسطنبول تحت عنوان “شباب التغيير.. عقد من النضال وخطوة للمستقبل”، واختتمت أعماله الاثنين، وشارك فيه عدد من قيادات الإخوان من مصر يقيمون في تركيا، وعناصر من المحسوبين على حركة “حسم” الجناح المسلح للجماعة.

أوحت العديد من الشواهد التي رافقت المؤتمر وتلك التي سبقت انعقاده بأن حكومة حزب العدالة والتنمية ترعى برنامجًا يضم جماعة الإخوان بغرض استعادة روح الثورات العربية في ذكراها، وهو ما عكسه عنوان المؤتمر وبعض كلمات المشاركين به، وتخطى ذلك ما يمكن اعتباره إعادة ترتيب صفوف جناح العنف للدفع به ليس للمشاركة في حراك ثوري سلمي صار الحديث عنه جزءًا من الماضي بالمنطقة العربية، ومباشرة مهمة التغيير وإزالة الأنظمة وفق النهج العنيف الذي اعتنقه شباب الإخوان بعد تشكيل أول خلية سرية مسلحة في العام 2014 وتأسيس اللجان النوعية المسلحة للجماعة على يد القيادي الإخواني محمد كمال.

لدعم موقف الرئيس التركي وحزبه في الانتخابات تبقى الورقة الدينية والإسلامية هي الملاذ عبر تقديم أردوغان كبطل إسلامي يناضل لانتشال تركيا من الهزائم

من ضمن شواهد التهديد الذي أطلقه القيادي الإخواني المصري رضا فهمي أثناء كلمته بمؤتمر إسطنبول، وهو رئيس لجنة الأمن القومي السابق في برلمان مصر عام 2012، والرئيس الحالي لمؤسسة تعرف باسم “ميدان”، حيث دعا لإعادة “الحراك المسلح والثوري” وفق وصفه في ظل سيطرة ما أسماه الثورات المضادة وفقدان الثوار كل أدواتهم.

وعلاوة على تهديد فهمي فقد ظهر في المؤتمر القيادي السابق في حركة حسم الإخوانية محمد منتصر، وهو أول متحدث باسم الجماعة بعد إعادة هيكلتها وتشكيل اللجان النوعية بتوجيه من مرشدها حينئذ محمد بديع.

واشتهر منتصر بمداخلاته على الفضائيات التي كانت تبث من تركيا منذ العام 2014 معلنًا بشكل مباشر تبني جماعته للعديد من عمليات العنف والتفجيرات وقطع الطرق منذ أحداث يناير 2015 في مصر.

وتوعد محمد منتصر في كلمته بالمؤتمر الأخير الدول العربية، وعلى رأسها مصر، مهددًا بالتدخل لتحريك وحلحلة الوضع القائم من منطلق أن "كل الثورات لها فرص أخرى للانبعاث" على حد وصفه.

من خلال الربط بين ما دار في مؤتمر شباب التغيير الذي عقدته جماعة الإخوان وعملية القبض على أحد مؤسسي حركة “حسم” وهو حسام منوفي سلام قبل أسبوعين في مطار الأقصر بجنوب مصر خلال هبوط طائرته اضطراريًا قبل توجهه من السودان إلى تركيا، نكتشف أن ما يدور في الظاهر وبشكل معلن هو رعاية حكومة العدالة والتنمية لعملية إعادة إحياء اللجان النوعية المسلحة للإخوان مجددًا بتكثيف استضافة قيادات حركة حسم المدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية وتهيئة المناخ للمّ شمل المشتتين منهم وتوفير الغطاء لقادتها للعمل تحت عناوين أخرى مثل مؤسسة "ميدان".

لم يترك حزب العدالة والتنمية فرضية رعايته لهذا النشاط للتخمينات حيث حرص على المشاركة والتأكيد على أن توجهات المرحلة القادمة التي عبر عنها قادة الإخوان وناشطو حركة “حسم” متفق عليها وجرت بالتنسيق مع المسؤولين الأتراك.

وقد بعثت كلمة مصطفى شان نائب رئيس الحزب خلال المؤتمر الكثير من الرسائل، حيث وجه كلامه إلى شباب الجماعة قائلًا “تركيا وطنكم لكن لا بد من أن تكون لدى الشباب خطة للعودة إلى بلدانهم، فلا يمكنكم ترك وطنكم للآخرين، مكانكم هنا في قلوبنا وفوق رؤوسنا لكن يجب ألا يبقى الحال هكذا، لا يمكنكم ترك بلادكم للأجانب والظلمة”.

أداة في الانتخابات 

بالنظر إلى أنه ليس هناك جديد يشي بحاجة أنقرة لبعث نشاط الإخوان الإقليمي لاستخدامهم رأس حربة ضد النظام المصري حيث يعكس خطابها الرسمي نأيها عن الجماعة وتعزيزها علاقاتها مع القاهرة، ولن يخرج تنظيم تلك الفعاليات عن إطار برامج توظيف الجماعة داخليًا استعدادًا لاستحقاقات العام المقبل الانتخابية التي من شأنها حسم مستقبل أردوغان وحزبه ومستقبل جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي.

من غير المرجح لأسباب متنوعة متعلقة بتراجع الوضع الاقتصادي وانهيار قيمة العملة المحلية والتحولات السياسية السلبية التي شهدتها الساحة التركية بعد أحداث عام 2016 أن يفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، بالنظر إلى خطط أحزاب المعارضة الرامية لإنهاء سلطة الحزب والعودة بالدولة إلى نظامها البرلماني الرئاسي السابق والخروج من الأزمات الاقتصادية الخانقة، وهو ما يلقى استجابة جماهيرية ملحوظة.

حزب العدالة والتنمية سيدافع لكسب الانتخابات القادمة لمواصلة الهيمنة على مقاليد السلطة وتجنب سيناريوهات إزاحته التي قد تؤدي إلى محاكمة البعض من مسؤوليه

ويفتقر حزب العدالة والتنمية هذه المرة لأوراق المناورة السياسية المعتادة مع توحد ينطوي على إصرار الطيف المعارض على التعلم من التجارب الماضية لتكتيل فصائل المعارضة في جبهة مشتركة، ووضح ذلك في تحركات حزب الشعب الجمهوري اليساري، وحزب الخير القومي، ودعم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد والليبراليين، وحزب السعادة الإسلامي المعارض لحكومة العدالة والتنمية.

تبقى الأداة الأكثر فعالية والأقرب لإمكانية دعم موقف الرئيس التركي وحزبه الذي ليس لديه استعداد لخسارة الانتخابات في مواجهة تحدي اتحاد العديد من الأحزاب الراغبة بشكل متزايد في هزيمته هي الورقة الدينية والإسلامية عبر توظيف الصراع الهوياتي وتقديم أردوغان كبطل إسلامي يناضل لانتشال تركيا من الهزائم التي تسبب فيها العلمانيون، في إشارة إلى التوقيع في السابق على اتفاقيات أفقدت أنقرة السيطرة على ممالك وولايات تابعة لها.

وينشط قادة جماعة الإخوان وحلفاؤها الهاربون إلى تركيا في الدعاية لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان خلال مواسم الانتخابات، المحلية والتشريعية والرئاسية، من منطلق أنه يصحح أخطاء العلمانيين وكونه قضى على العلمانية العتيدة المتجذرة بالبلاد وأنه تحدى الولايات المتحدة والغرب وينصر قضايا الأمة الإسلامية.

الترويج لفكرة الاتحاد الإسلامي العالمي بقيادة أردوغان والتذكير بخارطة العام 1920 التي تضم فوقها مدن الموصل وأربيل وكركوك وحلب وجزءا مهما من البلقان والقوقاز وقبرص وسائر الجزر الإيجية باعتبارها من الفضاء الحيوي التركي، هو جزء من الدعاية الانتخابية الموسمية التي تضطلع بها جماعة الإخوان لحساب العدالة والتنمية، بهدف تفريغ الدعاية المضادة الخاصة بالأحزاب العلمانية من مضمونها والتقليل من قيمة ما تنجزه المعارضة في الشارع الذي يعاني من سوء الأوضاع الاقتصادية.

هواجس مشتركة

لذلك لم يعد توظيف تركيا للإخوان موجهًا في المقام الأول لأهداف خارجية وتوسيع النفوذ الإقليمي ومناكفة الأنظمة العربية، إنما لأهداف داخلية متعلقة بالخروج من المنافسة الانتخابية من سياقها السياسي التقليدي المبني على كسب أو خسارة جولة ما من منطلق النجاح أو الفشل في الإدارة السياسية وفي تطبيق برنامج اقتصادي واقعي ومنجز، إلى سياقات المكايدة بين ما هو إسلامي وعلماني.

وجعلت هذه التطورات جمعية مركز المدافعين عن العدالة للدراسات الاستراتيجية (تانفيردي) تصف ما يجري من طرح تركيا كدولة مركز لولايات إسلامية وتسمية أردوغان كخليفة إسلامي بمثابة التمهيد لظهور المهدي المنتظر الذي ينتظره العالم الإسلامي بحلول عام 2023.

وتُعد هذه الثيمة المفضلة لحزب العدالة والتنمية لتوظيفها في الدعاية لنفسه في ظل الافتقار إلى منجز اقتصادي ومشروع اجتماعي مقنع، حيث تنتهي في العام 2023 الفترة المفترضة قانونيًا لمعاهدة لوزان ما يسمح للإيحاء بأن الرئيس أردوغان يسعى لاستعادة مجد الإمبراطورية التركية من منطلق كونه زعيمًا لمسلمي العالم.

قادة جماعة الإخوان وحلفاؤها الهاربون إلى تركيا ينشطون في الدعاية لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان من منطلق أنه يصحح أخطاء العلمانيين

ويحافظ هذا الطرح على التحالف الانتخابي القائم بين الإسلاميين والقوميين بتسويق فرضية مفادها أن أحلام الإسلاميين الأتراك هي ذاتها أحلام القوميين قبل ما يقارب المئة عام، وأن الرئيس أردوغان قادر على تحقيق هذه الأحلام التي يئس القوميون من تحقيقها.

وظهور جماعة الإخوان مجددًا بهذا المستوى النوعي وبحضور مكثف لقادة جناحها المسلح (حسم) وخطابات تذكر بلغة التهديد والتحريض التي كانت تطلق بداية من أعوام 2014 و2015 وقبل وقت قصير من إعلان أنقرة رغبتها في المصالحة وتسوية الخلافات مع القاهرة لا يتعلق بمجريات الأوضاع في مصر حيث باتت الجماعة في أوهن حالاتها ويعدّها غالبية المراقبين من الماضي سياسيًا وميدانيًا، إنما بهواجس الجماعة وتحسبها لما سيؤول إليه حالها إذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات المقبلة وأزيح الرئيس أردوغان عن السلطة.

كما سيدافع حزب العدالة والتنمية لكسب الانتخابات القادمة لمواصلة الهيمنة على مقاليد السلطة وتجنب سيناريوهات إزاحته التي قد تؤدي إلى محاكمة البعض من مسؤوليه، وتدافع جماعة الإخوان في إثبات جدارتها بملاذ آمن لها في تركيا وعدم تخلي الأتراك عنها عبر القيام بالمهام الموكولة إليها خوفًا من صعود نظام علماني حازم يزيد أزمة التنظيم تعقيدا.

التعليقات

ملفات ساخنة

السبت 29 يناير 2022 5:07 م

 أوقفت فرقة أمنية مختصة عددا من القياديين في جبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة، وذلك في أعقاب بيان منسوب لما يعرف بمجلس إطارات الجبهة الإسلامية للإن...

السبت 29 يناير 2022 5:07 م

برز ملف فاغنر في ليبيا مؤخرا بشكل بارز عقب اندلاع المواجهات المسلحة في السودان، والمخاوف من انتقالها إلى الجنوب الليبي. ومع مقتل زعيم فاغنر يفغيني بري...

السبت 29 يناير 2022 5:07 م

تسعى الصين إلى توسيع نفوذها الأمني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متخفية تحت غطاء الشركات الأمنية الصينية الموجهة لحماية رعايا بكين في المنطقة، مستفيد...

الأكثر قراءة

كاريكاتير

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر