ما لاحظه الكاتب الكويتي الدكتور محمد الرميحي في مقالته الأخيرة هنا بجريدة «الشرق الأوسط»، في غاية الأهمية ويجب إثراء النقاش حوله.
كتب الرميحي مقالته تحت عنوان وجيز مخيف وهو«القاتلة»، ويعني بذلك منصات «السوشيال ميديا»، وقد استعار هذا العنوان من وصف الرئيس الأميركي بايدن المستمر على نهج أوباما، لفيسبوك بالقاتل، بسبب وجود مواد ومنشورات حول نجاعة أو ضرر اللقاحات الخاصة بـ«كورونا».
ليس هنا النقاش، بل، كما فعل الرميحي، هو ملاحظة الضرر المهول لهذه المنصات على عقول و«أخلاق» الناس، وعلى أمن الأوطان، وعلى تعميم التفاهة والسطحية بوصفها هي «لغة الوقت»، وذم وتتفيه الجدية والرصانة، لأن ذلك «أولد فاشن» وما في أحد عنده وقت يضيعه مع الجادين أو «النفسيات» كما يصفهم البلهاء من مثرثري «السوشيال ميديا».
نهج مقصود ودرب مسلوك بوعي سابق لترسيخ التفاهة والببغائية العامة، يصل أذاها حتى إلى بعض العقلاء.
يقول الرميحي حول هذه النقطة تحديداً:
«تصلك أحياناً معلومات أو أخبار أو أفكار من أناس تثق بقدرتهم على الحكم على الأشياء وتستغرب كيف يمكن لمثل هؤلاء الاشتراك في توزيع مثل هذه (الخزعبلات)، إلا أنك تستدرك أن الأخبار السيئة والكاذبة تنتشر بسرعة أكبر من الأخبار الصحيحة والمعقولة، وتنشر فقدان الحيادية».
هل ثمة حل؟
يجيب كاتبنا الحصيف: «تقف المؤسسات وحتى الحكومات عاجزة عن إيجاد مصدة لمثل ذلك الانفجار الهائل في (المعلومات المغلوطة)... بعضها يتوجه إلى تغليظ القوانين، وتعتقد أنها رادعة، قد تكون في وسائل الإعلام العلنية، ولكن في الخاصة كمثل الواتساب أو تك توك لا يمكن الوصول إليها بالقانون، وهي الأكثر تجريحاً على المستويين الوطني والشخصي».
يظل الأمل الوحيد المتوافر حالياً، هو الرهان على إنعاش الوعي العام أو «المناعة المجتمعية» كما وصفها الرميحي، وهي: «مناعة تشترك في إعدادها الأجهزة الحكومية والأهلية والمدارس، وتتعامل مع ما ينتج من أخبار كاذبة وشائعات مغرضة وتجريح وقتل الشخصية بالسرعة في فضائنا العربي يجري التنمر والتطاول والتحقير في وسائل التواصل كما يجري الماء في الجدول ويخلف الكثير من الخطايا والموبقات ما يسمم المجتمعات ويوهنها».
في تقديري أن ما هو أخطر من حروب الدبابات والطائرات هو حروب العقول والسيطرة عليها وتوجيه الجموع حيث يرغب الموجّه، كما هي في تدفق المجاهيل النكرات الذين يعلمون من خلف حجاب على ترويج فكرة أو شائعة ما، وتعظيم شخص أو تحطيم شخص، جموع بعضها يتحرك بوعي وتدبير وتوجيه، وبعضها رغبة في الشهرة والشعبوية الفارغة، والنتيجة واحدة: الخراب والفوضى وتعميم الضحيج والصخب والتفاهة. والأخطر من ذلك جعل كل هذه السمات هي مواصفات الثقافة والإعلام الجديد ومجاراة بعض من لا تظن به التفاهة والخفّة من العقلاء والكبراء لهذا الجنون.