عُقد يوم الاثنين الماضي اجتماع ضم أكثر من ثمانين دولة برئاسة الولايات المتحدة وإيطاليا. ملف حركة «داعش» كان الموضوع المحوري في الاجتماعات الرسمية الموسعة واللقاءات الجانبية بين بعض الوفود. الحضور العربي كان كبيراً، والغائبان كانا روسيا وإيران. بلا شك أن هذا الاجتماع نوعي من جوانب عدة، أولها أن تنظيم «داعش» انتهى كقوة قتالية متحكمة بتكوين موجود على الأرض في الموصل بالعراق والرقة بسوريا، لكنه لا يزال يتحرك في مناطق شاسعة في غرب أفريقيا وشرقها، بل وحتى في بقع له في شمال القارة. وزير الخارجية الأميركية بلينكن ووزير الخارجية الإيطالي لويدجي دي مايو، أوضحا في تصريحات لهما ملامح البرنامج الدولي الجديد لمواجهة التنظيم الذي تآكلت قوته في سوريا والعراق، لكنه لا يزال يتحرك بكثافة متذبذبة في مواقع أخرى. هل بمقدور القوى الدولية الفاعلة وبينها الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، الإعداد لعمل على الأرض لمواجهة حركة «داعش» في منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا بشكل عام، بل في شرقها وشمالها أيضاً؟ الصحراء الكبرى غير سوريا والعراق من الناحية الاجتماعية والجغرافية، الإسلام في منطقة غرب أفريقيا له مفاهيم وتأثير مختلف. الأمية التي تنتشر في المنطقة تجعل استقطاب الشباب للحركة سهلاً، وكذلك الضائقة الاقتصادية التي تخنق مجتمعاتها تدفعهم إلى الانضمام إلى الحركة.
هناك امتدادات للحركات المتطرفة من نيجيريا التي تنشط فيها مجموعة «بوكو حرام» إلى تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي، وتتحرك نحو الجنوب الليبي، تهدد شمال أفريقيا وجنوب القارة الأوروبية. الهجرة غير القانونية التي تحولت إلى مشروعات تجارية واسعة، لا يستبعد أن تحمل آلاف الإرهابيين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط. هل ستكون «داعش» الأفريقية متحولاً جديداً من التكوينات الإرهابية المتطرفة من حيث المكان والتكوين والأهداف؟ ما يحدث في أفغانستان سيكون له تِأثير كبير على المد الإرهابي ليس في منطقة آسيا وحدها، بل سيرى فيه المتطرفون الدمويون علامة بشارة بالنصر الموعود. اجتماع روما الوزاري واجه موضوعاً ضاغطاً على الجميع، وهو العدد الهائل من سجناء «داعش» في سوريا والذي يتجاوز العشرة آلاف سجين في معتقلات حركة سوريا الديمقراطية والذين يرى بعض السياسيين أن عودتهم إلى بلدانهم الأصلية هو الحل الوحيد، ولكن لا توجد ضمانات ملموسة لمنع تسرب عدد كبير منهم إلى منطقة غرب أفريقيا والالتحاق بـ«داعش» التي لا يوجد بها حتى الآن عناصر تذكر من خارج القارة.
«داعش» الأفريقية، غير «داعش» العربية والآسيوية، ومواجهتها تحتاج إلى أكثر من تحريك جيوش نظامية عبر تحاف إقليمي أو دولي. تأهيل المنطقة اقتصادياً عبر مشروع مارشال عالمي يحقق تنمية اقتصادية على الأرض، وبرامج تعليمية واسعة وطويلة المدى مع التركيز على طبيعة التدين الإسلامي في غرب القارة الذي يلعب فيه التصوف دوراً محورياً، ويمكن أن يشكل كابحاً فاعلاً للتطرف والإرهاب. إعادة تأهيل الأنظمة السياسية بما يمكّنها من بسط وجودها في كل ربوع الاوطان وبناء منظومات أمنية عابرة للحدود الوطنية. تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا لا مندوحة عنه؛ لأن ليبيا هي البوابة الأكبر التي يعبرها المهاجرون غير القانونيين القاصدين أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وكما سبق القول، ليس هناك ما يضمن أن يكون بين آلاف المهاجرين عناصر إرهابية. سلالة جديدة من «داعش» تنتظرها مناطق واسعة في أفريقيا الغربية، ولا يوجد كيان سياسي أو اجتماعي، قادر على غلق طرق الامتداد أمامها. الحاضنات الاجتماعية والبيئة الدينية وانتشار الأمية والفقر وتداخل القبائل العابر للحدود، كل ذلك يجعلنا أمام تكوين مسلح آخر. اجتماع روما الدولي الواسع، يجب ألا يكون مجرد ملتقى للعصف السياسي والأمني؛ فالتطورات الأخيرة تفرض أن تكون روما غرفة عمليات أمنية وعسكرية ومالية وحتى تعليمية. إيطاليا هي محور البحر الأبيض المتوسط الأوروبي الجنوبي الأقرب إلى القارة الأفريقية وهي المعبر الأكبر للمهاجرين غير الشرعيين، وبعد تقليص فرنسا لوجودها العسكري في دول الساحل والصحراء المعروف بعملية برخان، فلا مناص من جهد دولي قوي لمواجهة «داعش» وغيرها من التنظيمات المتطرفة، تشارك فيه الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ودول أفريقية لها قدرات عسكرية وخبرات أمنية، ومن بينها مصر والجزائر والمغرب ونيجيريا والسنغال وغيرها من الدول الأفريقية. الصحراء الشاسعة في المنطقة قوة مضافة إلى قدرات التنظيمات المتطرفة، تتطلب مواجهة من نوع جديد لمواجهة السلالة الجديدة لـ«داعش» وأخواتها. موريتانيا لها القدرة على القيام بدور أراه في غاية الأهمية، حيث تمتلك قوة من الفقهاء المتبحرين في الدين والعارفون بتكوين النسيج الاجتماعي في المنطقة والمشارب الدينية المختلفة، وكذلك إلمامهم بلهجات الشعوب وانتماءاتهم الصوفية.
دول في منطقة الساحل والصحراء تزداد هشاشة بشكل سريع، وتتراجع قدراتها العسكرية والأمنية والإدارية والمالية، ولا نستبعد تمكن التنظيمات المتطرفة من السيطرة على مقاليد الحكم فيها؛ وذلك بسبب الإحباط الذي يعبئ شرائح واسعة من السكان ضد الأنظمة ويجعلها تحتضن الجماعات المتطرفة، ليس حباً فيها ولكن معارضة لأنظمتهم؛ مما دفع بعض الحكومات لفتح خطوط للاتصال مع المجموعات المتطرفة مهادنة أو تحييداً لها، بل وصل الأمر في حالات معينة إلى استجداء دعمها. اجتماع روما الذي تنادى له وزراء وسفراء وخبراء من عشرات الدول، الوقت يسابق ما أنتجه، فإما أن تتحرك مجموعة روما بمخرجاتها لتجسدها فوق صحراء غرب أفريقيا، وإلا فإن العالم سيشهد حريقاً لن يقف لهيبه عند حدود الصحراء الكبرى.