الحديث الذي أدلى به ولي العهد السعودي، مهندس الرؤية السعودية الجديدة والمشرف على تنفيذها، الأمير محمد بن سلمان، حديث كبير في شأن عظيم.
الحوار الذي أداره الإعلامي السعودي المتألق عبد الله المديفر، وعرضته الشاشات السعودية وغيرها، كشف به الأمير محمد بن سلمان عن حصاد الرؤية السعودية 20 - 30 الماضي، ومسارها المستقبلي، بل أعلن للعموم أنه ثمة فصلٌ ثانٍ من الرؤية هو 30 - 40 بعد نهاية الفصل الأول. تحدّث عن التجديد الاقتصادي والتنموي والإداري في جسد الدولة السعودية، وإعادة خلق القطاع الخاص الاقتصادي على سويّة جديدة حيوية، ليكون رافداً حقيقياً لمجمل الاقتصاد السعودي.
شرح فأجاد الشرح وشفى ما في النفوس عن كل مسارات الرؤية؛ السياحة والإسكان والبيئة والرياضة والسعي لاجتذاب المستثمرين من الخارج.
غير أن الفقرات المصيرية التي يجدر بالمرء التمعّن فيها، مليّاً، حين أفاض ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في رسم ملامح الهوية السعودية، بل قل إزالة الغبار عن خطوطها الرئيسية، التي حاول البعض تخليد هذا الغبار عليها وإدامته حتى يتحجّر هذا الغبار طبقة صلبة على ملامح الهوية الحقيقية.
من نحن؟ ما هي هويّتنا؟ كيف نفهم الشريعة؟ ما هو دور علماء الدين؟ أي مدرسة نتبع؟ الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟ الحديث النبوي والنص القرآني، ومصادر التشريع، ولماذا نكافح خطاب التطرف الديني المسيّس، ومن يمّثل هذا الخطاب في السعودية؟ وما هو مستقبل هذه العزيمة في المواجهة ضد التطرف وممثليه، وهل لان العزمُ وهان الحزم؟
أجاب محمد بن سلمان، بطابعه الخاص، وشيمته الفريدة، بالصراحة والمباشرة في حديث عميق وجيز صارم لا شية فيه ولا لبس.
المملكة العربية السعودية، ليست كأي بلد مسلم وعربي، وهذا ليس من قبيل الإنشاء والتمدّح البارد؛ هي حقائق ملموسة تفرض عليك، محبّاً كنت أو شانئاً أو حتى محايداً لا لهؤلاء ولا لهؤلاء، أن تقرّ بها.
مهد الإسلام، نبع العرب، خزانة الهوية العربية، قبلة المسلمين، مهاجر ومثوى النبي الأمين، ومع ذلك هي من الدول العمالقة الكبار في منتدى العشرين الاقتصادي، هي ميزان الطاقة والبترول، حافظة السلام وناصرة الاستقرار منذ تأسيسها باسمها الحديث على يد المؤسس الكبير الملك عبد العزيز في فجر الثلاثينات الميلادية. مما وجّه الأمير محمد الأنظار إليه في حديثه، حين قال تخّيل لو كنت محلّ أسامة بن لادن، ما هو البلد الأول الذي ستفكر في استهدافه؟ والجواب أكيد هو السعودية، لكل ما مضى ذكر في الفقرة السالفة.
ومثل أسامة، في جعل السعودية الهدف الرئيسي، لتحقيق مشاريعهم، الخميني والخمينية، وتلاميذه من حسن نصر الله وعبد الملك الحوثي، إلى عصابات الحشد الخميني بالعراق، إلى «داعش» إلى «الإخوان المسلمين»... إلخ.
كيف نخرج من أسر هذا الدائرة العبثية المهلكة؟
بعناوين ومنارات للمسير، كالتي ركزها للسائر الأمير محمد، في حديثه الكبير هذا، من نحن؟ ما هي هويتنا؟ كيف نفهم الشريعة؟ ما هو التطرف؟ ما هي علاقتنا بالمدارس الفقهية الفكرية الإسلامية كلها؟
في الآتي من المقالات محاولات حديث في هذه العناوين.