تغييرات بالجملة لأجل الخلاص الفردي
فضت المعارضة السودانية “تنازلات” الرئيس عمر حسن البشير، معلنة تمسكها بالتظاهر إلى حين تنحيه، في وقت بدا أن الرئيس السوداني، الذي يوحي بالتخلي عن قيادة الحزب الوطني الحاكم، استمر بالرهان على المؤسسة العسكرية للسيطرة على الحكم من خلال وضع قيادات عسكرية موالية له على رأس مختلف الولايات. كما أجرى تغييرات عديدة توحي بالرغبة في التغيير الشامل.
وأصدر الرئيس السوداني، السبت، مرسوما بتعيين محمد طاهر أيلا رئيسا للحكومة، ومرسوما آخر عين بموجبه وزير الدفاع المكلف الفريق أول ركن عوض محمد أحمد بن عوف في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية بديلا للنائب الأول بكري حسن صالح.
ويشغل عوض محمد أحمد بن عوف منصب وزير الدفاع منذ عام 2015 وسبق له أن شغل مناصب نائب رئيس هيئة الأركان ومدير الاستخبارات العسكرية.
وقد أعاد البشير تعيينه أيضا وزيرا للدفاع بعد حل حكومة النائب الأول السابق للرئيس بكري حسن صالح.
وأعلن الحزب الحاكم، بدوره، عن تأجيل مؤتمره العام المقرر في أبريل القادم، في مسعى للإيحاء بدخول مرحلة جديدة يتم فيها تغيير شامل بما في ذلك الحزب الحاكم الذي يراد له أن يتحمل بدوره الجزء الأكبر من فشل تجربة الإنقاذ التي استمرت لمدة ثلاثين عاما.
ورفض حزب الأمة، أكبر أحزاب المعارضة في السودان، إعلان البشير حالة الطوارئ، مؤكدا بأن المتظاهرين سيواصلون تحركهم حتى انتهاء الحكم المستمر منذ ثلاثة عقود.
وقال حزب الأمة القومي المعارض في بيان إن “حل الحكومات.. وفرض الطوارئ هو تكرار للفشل الذي ظل حاضرا خلال ثلاثين عاما”.
وأضاف البيان أن “الشارع الثائر لن يرضى إلا بتحقيق مطالبه برحيل النظام”.
ورمى حزب الأمة القومي، بزعامة الصادق المهدي، الذي كان رئيسا للحكومة عندما تولى البشير السلطة في انقلاب مدعوم من الإسلاميين في 1989، بثقله خلف الاحتجاجات.
ووقع الحزب على “وثيقة الحرية والتغيير”، التي وقعها أيضا الحزب الشيوعي والعديد من المجموعات المتمرّدة الأخرى في مختلف مناطق السودان.
ويحدد نصّ الوثيقة خطة لما بعد حكم البشير، من بينها إعادة بناء السلطة القضائية ووقف التدهور الاقتصادي، الذي يعتبر السبب الرئيسي للاحتجاجات.
وكان البشير أعلن، مساء الجمعة، حالة الطوارئ لمدة عام ودعا البرلمان إلى تأجيل تعديلات دستورية كانت ستمكنه من السعي لفترة رئاسية جديدة في انتخابات الرئاسة عام 2020. كما أعلن حلّ الحكومة المركزية وحكومات الولايات.
وقال البشير إنه يتعين على الحكومة الجديدة اتخاذ إجراءات اقتصادية حازمة مضيفا أنه سيوكل هذه المهمة لفريق مؤهل.
وشجع أيضا المعارضة على التحرك إلى الأمام والمشاركة في حوار، داعيا “القوى المعارضة التي لا تزال خارج مسار الوفاق الوطني ووثيقته للتحرك إلى الأمام والانخراط في التشاور حول قضايا الراهن والمستقبل عبر آلية حوار يتفق حولها”.
وفي بيان لاحق شكل البشير حكومة لتصريف الأعمال تضم مسؤولا كبيرا من كل وزارة ولكنه أبقى وزراء الدفاع والخارجية والعدل في مناصبهم.
ووصف معارضون ونشطاء على مواقع التواصل حزمة الوعود التي أطلقها البشير بأنها مناورة غير جديدة على الرئيس السوداني، الذي بدا وكأنه يستعيد أسلوب الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك قبل أن تطيح به ثورة 25 يناير 2011، بالسعي لامتصاص غضب الشارع وإرباك المعارضة بالوعود والتنازلات على أن يبقى هو على رأس السلطة.
وقال هؤلاء إن الهدف من حزمة التنازلات المتتالية هو التأثير على حماس الثوار وزرع الخلافات بين المتظاهرين العاديين والأحزاب التي تبحث عن قرارات سياسية فيما يبحث الشارع عن قرارات تتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما غاب تماما عن كلمة البشير.
ولطالما شكلت المصاعب المالية في السودان عاملا من عوامل الإحباط الشعبي، قبل أن ينفجر الغضب في الشارع بعد ارتفاع أسعار الخبز.
وتسبب التضخم ونقص العملة الأجنبية بإنهاك اقتصاد البلاد، خاصة بعد انفصال جنوب السودان عام 2011 الذي حرم الخرطوم من عائدات النفط.
وقال البشير في خطابه أمام مستشاريه وأعضاء حكومته المقالة “بلادنا تجتاز مرحلة صعبة ومعقدة هي الأصعب في تاريخها الوطني”.
وأضاف “التحديات الاقتصادية لا بد من التصدي لها بكفاءات مقتدرة ولذا سأكلف حكومة بمهام جديدة وبكفاءات مقتدرة”.
لكن المثير أن البشير أصدر، السبت، قرارات جمهورية بتعيين 6 وزراء اتحاديين و18 واليا (حاكم ولاية) ينتمون كلهم إلى الجيش والشرطة والأمن، لتسيير أعمال الحكومة.
وأفادت وكالة الأنباء السودانية، فجر السبت، أن الرئيس عمر البشير أصدر مراسيم جمهورية بحل مجلس الوزراء القومي وتكليف وزراء وأمناء عامين بتصريف مهام الوزارات، إلى جانب “إعفاء ولاة ولايات وحل حكومات ولايات وتكليف ولاة ولايات”.
وتقول أوساط معارضة إن إقالة الحكومة لا تعني سوى محاولة لتحميل الوزراء المقالين مسؤولية الفشل، فيما عمد بالتوازي إلى الإمساك بالوضع بشكل آخر عبر تعيين قيادات عسكرية على رأس مختلف الولايات، ما يتيح له إعادة ترميم السلطة المتهاوية بانتظار مناورة جديدة تحيي مساعيه لتعديل الدستور بشكل يمكنه من الترشح مرة أخرى للرئاسة.
وبعد كلمة البشير هتف محتجون غاضبون في مدينة أم درمان داعين إلى “الحرية” وأضرموا النار في إطارات سيارات في الوقت الذي قام فيه آخرون، حسبما قال شاهد من رويترز، بإغلاق طريق رئيسي. وأطلقت الشرطة هناك الغاز المسيل للدموع وطاردت المحتجين عبر الشوارع الضيقة.
وقالت إحدى جماعات المعارضة الرئيسية التي تسمى تحالف قوى الإجماع الوطني إنه لا بد وأن يكون الردّ على إعلان البشير حالة الطوارئ تنظيم المزيد من الاحتجاجات.
ودعا التحالف في بيان إلى “مواصلة الخروج منتفضين ليلا ونهارا في المدن والأحياء والميادين حتى سقوط النظام وقيام سلطة انتقالية على أنقاضه”.