هل من يعجز عن توفير الغذاء والدواء قادر على تصنيع الطائرات
يسلّط التراجع الميداني الكبير للحوثيين، بالتزامن مع استئناف الأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها مارتن غريفيث لتحركاتها على محور الحلّ السياسي في اليمن، ضغطا مضاعفا على الميليشيا الخاضعة لإيران والمجبرة على الاستجابة لمتطلّباتها وتنفيذ مخطّطها الذي يقوم بشكل أساسي على استدامة الصراع والتوتّر والإبقاء على اليمن بؤرة ملتهبة على حدود المملكة العربية السعودية الغريمة الأولى لنظام طهران في المنطقة.
ومع بروز ملامح استراتيجية المواجهة الشاملة للنفوذ الإيراني في المنطقة ككلّ، لا سيما في العراق وسوريا ولبنان، والتي تعمل المملكة العربية السعودية على استكمال صياغتها بالتعاون مع كبار حلفائها الدوليين، تخشى إيران أن يكون حسم الملف اليمني، حربا أو سلما، بوابة البدء بالتنفيذ الفعلي لتلك الاستراتيجية، ما يفسّر لجوءها إلى دفع ميليشيا الحوثي إلى التصعيد وخلط الأوراق.
وفيما كان غريفيث يقوم بجولته الاستكشافية لمزاج الأطراف المعنية بالملف اليمني، عمل الحوثيون على الدفع بالتوتّر إلى أقصاه من خلال تسريع إطلاق الصواريخ المهرّبة إليهم من إيران باتجاه الأراضي السعودية.
وأدخل الحوثيون عامل توتير إضافيا، بإعلانهم الأربعاء، عن استخدام الطائرات المسيّرة في استهداف أراضي المملكة.
وقالت وسائل إعلام تابعة لهم إنّه تم استخدام طائرتين مسيّرتين من نوع “قاصف1” في استهداف منشأة نفطية ومطار بجنوب المملكة.
وأعلن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، الأربعاء، تدمير طائرتين دون طيار أطلقهما المتمردون الحوثيون باتجاه جنوب المملكة لاستهداف مطار ومنشأة مدنية، واعتراض ثلاثة صواريخ باليستية في أجواء السعودية أحدها فوق العاصمة الرياض.
ويسجّل خبراء الشؤون العسكرية قلّة تأثير الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يستخدمها الحوثيون، خصوصا بالنظر إلى عدم دقّتها وسهولة التصدّي لها من قبل دفاعات التحالف العربي، لكنّهم يلفتون إلى أنّ أهدافها الأساسية معنوية وسياسية أيضا.
إذا كان التصعيد في اليمن مطلبا إيرانيا ملحّا في الظرف الراهن لا يمتلك الحوثيون من خيار سوى تنفيذه تحت أي ظرف، فإنّ التركيز على القصف عن بعد باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة المهرّبة من إيران، يمثّل خيارا مثاليا لهم ولإيران الساعية لخلط الأوراق وإرباك الوضع وتعطيل أي جهود للسلام، وتبليغ رسالة مفادها أنّها لا تزال موجودة ومؤثرة في الأوضاع اليمنية
وخلال الأيام الماضية، خسر الحوثيون مساحات شاسعة من الأراضي التي يحتلّونها، من البيضاء جنوبي صنعاء، إلى تعز والحديدة، على الساحل الغربي لليمن، إلى نهم التي لا تبعد عن العاصمة سوى بحوالي خمسين كيلومترا وتمثّل بوابتها الشرقية.
وسجّلت أكثر الهزائم إيلاما للحوثيين في محافظة صعدة معقلهم الأصلي بشمال البلاد، كما فقدوا السيطرة بالكامل على مدينة ميدي، شمال غرب محافظة حجة بالشمال الغربي.
ومع تراجع القدرة على السيطرة على الأرض، يصبح التصعيد عن طريق القصف عن بعد باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة المهرّبة من إيران خيارا مثاليا للحوثيين.
ويقول مراقبون إنّ التصعيد باليمن في هذه المرحلة بالذات مطلب إيراني ملحّ تريد طهران من خلاله توجيه رسالة بأنّها حاضرة في الملف اليمني ومؤثرة فيه، خصوصا وأنّ غريمتها السعودية بدت في موقف قوّة إثر الجولة العالمية الموسّعة لولي العهد السعودي، الأمير محمّد بن سلمان، والتي تمكّن خلالها من كسب تأييد واضح من قبل كلّ من المملكة المتحدة، والولايات المتّحدة، وفرنسا، لموقف بلاده في مواجهتها لمحاولات التمدّد الإيراني، لا سيما في اليمن.
ويقول الحوثيون إنّ الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يستخدمونها في استهداف الأراضي السعودية، مصنّعة محليا، لكنّ وكالة رويترز نقلت عن مؤسسة “أبحاث التسلح في الصراعات” التي تراقب إمدادات الأسلحة، القول إن لديها دليلا على أن الطائرة المسيرة التي ذكرها الحوثيون تحت اسم “قاصف1” ومعدات أخرى صنعت في إيران وأنها ليست مصممة ومصنعة محليا.
وتخشى إيران أن ينساق الحوثيون إلى هزيمة عسكرية، ستكون بمثابة هزيمة مباشرة لها أمام السعودية، بقدر ما تخشى إيجاد حلّ سياسي للملف اليمني يغلق بؤرة التوتّر التي بذلت جهودا كبيرة لفتحها داخل الجزيرة العربية.
ورغم الصعوبات الكبيرة التي تواجهها جهود الحلّ السياسي في اليمن، فقد منح تعيين الدبلوماسي البريطاني مارتن غريفيث ذي التجربة السابقة بملفات المنطقة، مبعوثا أمميا خاصا لليمن خلفا للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، نفسا جديدا لتلك الجهود.
وشرع غريفيث في استطلاع مزاج الأطراف المعنية بالملف اليمني، استعدادا لوضع استراتيجية تحرّكاته على محور السلام.
وقال، الأربعاء، إنه اختتم جولة من المشاورات في زيارته لكل من سلطنة عُمان ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وأوضح عبر حسابه الرسمي على موقع تويتر أنه التقى خلال الزيارتـين إلى مسقط وأبوظبي “مسؤولين عُمانـيين وإماراتيين وأصحاب شأن يمنيين”.
وأبدى تفاؤلا بنتائج هذه اللقاءات، قائلا “ما سمعته مشجّع للغاية، وسيساعدني على وضع إطار لعملية سلام تكون بقيادة يمنية”.
وشهدت مختلف جبهات الحرب في اليمن، خلال الأيام الماضية، تصعيدا كبيرا في القتال نجمت عنه تبدّلات مهمّة في خارطة السيطرة على الأرض، مالت معظمها للقوات الممثّلة للشرعية اليمنية المدعومة من التحالف العربي، ما سيجعل معسكر الشرعية في موضع قوّة إزاء المتمرّدين الحوثيين في أي مفاوضات سلام قد يتمكّن غريفيث من إطلاقها خلال الأسابيع القادمة.