تراجع شعبية المالكي في المحافظات الشيعية قبل السنيّة
وصفت أوساط سياسية عراقية إعلان تحالف نوري المالكي الانسحاب من السّباق الانتخابي في محافظة صلاح الدين بأنه مؤشر واضح على أن رئيس الوزراء السابق يشعر بالقلق على تراجع شعبيته وغموض مستقبله السياسي.
وتشير هذه الأوساط إلى أن الانسحاب من محافظة صلاح الدين فيه اعتراف واضح من المالكي بأن شعبيته في المحافظات السنية شبه منعدمة، وأن الخطاب الطائفي الذي رفعه طيلة ثماني سنوات من حكمه انتهى إلى عزله في أحد أهم المراكز الانتخابية، وأن الشارع السني لم ينس لرئيس الوزراء السابق دوره في فتح الطريق أمام سيطرة داعش على المحافظات السنية.
وأعلن مصدر في مفوضية الانتخابات في محافظة صلاح الدين، الأحد، انسحاب ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي من الانتخابات في المحافظة. وأضاف أنه “تم شطب الائتلاف من الكيانات السياسية المسجلة في المحافظة”.
وقال الناشط المدني جعفر البلداوي إن “الانسحاب جاء على خلفية إخفاق دولة القانون في إيجاد المرشحين اللازمين لقائمتهم الانتخابية، حيث لم يتقدم سوى أربعة مرشحين للترشح ضمن كيان دولة القانون في صلاح الدين من أصل 24 ممن يحق لهم الترشح في القائمة الانتخابية، مما يعني إخفاقه في الحصول على مقعد برلماني في المحافظة”.
وأضاف أن “الائتلاف لا يلقى قبولا بين الأغلبية العربية السنية في المحافظة والتي تتجاوز نسبة الـ80 بالمئة من السكان، بينما يحظى منافسوه من الشيعة ضمن تيار الحكمة والتيار الصدري والمجلس الأعلى بجماهيرية أفضل منه”.
ولم يسبق لأي ائتلاف سياسي أن أعلن انسحابه من المنافسة الانتخابية في أي محافظة عراقية بهدف فسح المجال أمام منافسيه السياسيين.
وعزا رئيس مكتب دولة القانون في صلاح الدين، ذوالفقار البلداوي، سبب الانسحاب إلى تعدد القوائم الشيعية، قائلا “السياسة منافسة، لكن تعدد القوائم الشيعية يضعف موقفها، وقد طالبنا فعلا بتشكيل قائمة موحدة فلم يستجيبوا لمطلبنا، فقررنا أن العناد لا يؤدي إلى نتيجة وانسحبنا”.
ويمثل محافظة صلاح الدين 12 نائبا في البرلمان العراقي من أصل 328، بموجب قانون توزيع المقاعد على المحافظات حسب الكثافة السكانية.
واعتبر مراقبون أن المالكي انسحب من السباق خوفا من نتيجة مخيبة للآمال، وأنه يفضل هزيمة بإرادته على هزيمة يمكن أن تساعد في إنهاء مستقبله السياسي وتظهره في وضع الضعيف خاصة أن حلفاءه الشيعة تفرقوا في أكثر من تحالف.
وقال مراقب عراقي لـ”العرب” إن المالكي لم يفقد شعبيته فقط في المحافظات السنية، بل يعيش وضعا صعبا في محافظات محسوبة تاريخيا على تحالف ائتلاف دولة القانون. وفي ديسمبر 2016، قوبلت جولته في بعض محافظات الجنوب مثل ذي قار وميسان والبصرة، التي يتمركز فيها أنصار التيار الصدري بشكل كبير، باحتجاجات شعبية استعملت فيها الشعارات المطالبة بطرده، فضلا عن استهدافه بالأحذية والحجارة.
ويشير إلى أن رئيس تحالف دولة القانون فقد الدعم الشعبي في المحافظات الشيعية قبل السنيّة، وأن سياساته التي أفضت بالعراق إلى وضع صعب أمنيا واقتصاديا جمعت ضده مختلف الطيف العراقي.
ويضيف المراقب أن رهان المالكي الآن أصبح على إيران وميليشيا الحشد الشعبي الحليفة لها حتى يستمر بالواجهة، وأنه ربما يستفيد من مساعي رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي في أخذ مسافة عن إيران والانفتاح أكثر على العمق العربي، ليظهر المالكي لطهران بأنه الرجل الأنسب للرهان عليه في تحقيق أهدافها بالعراق.
ورغم النفوذ الكبير الذي لا يزال المالكي يمتلكه في العراق ويستمدّه من أذرعه الممتدة داخل أجهزة الدولة ومن تحالفه مع كبار قادة الميليشيات الشيعية، إلاّ أنّ منافسته للعبادي على منصب رئاسة الحكومة ازدادت صعوبة.
ويجادل عراقيون بأنّ الصعود إلى سدّة الحكم في العراق ليس رهين البرامج والسياسات والإنجازات بقدر ما هو وليد توافقات داخلية وصفقات خارجية اعتادت إيران، منذ سنة 2003، أن تكون طرفا أساسيا فيها. ورغم ذلك فإنّ طهران لا تستطيع الرهان على “جواد” خاسر بل على طرف يمكن الاعتماد عليه، وهو إلى حدّ الآن حيدر العبادي الذي اختبرته في قضية استقلال الأكراد ويبدو أنّه نجح في الاختبار.