من أكثر الشعارات التي رفعها النظام الخميني خداعاً هو شعار الموت لأميركا، والتكسب السياسي الدعائي بهذا الشعار، ويتفرع عنه طبعاً شعار القدس وفلسطين، وبكل حال الراصد يعلم أن الدخول الإيراني على مسار القضية الفلسطينية دخول حديث طارئ.
أما حقيقة الحال، فهي أن سدنة النظام الخميني كانوا يبحثون في الأول والآخر عن مصالح النظام النفعية الحقيقية بعيداً عن الغوايات التي تغوي بها البروباغندا الخمينية الجماهير، وبعض النخب المريضة.
نسج الخمينيون علاقات مصالح معلومة مع العم سام، الشيطان الأكبر، ليس منذ فضيحة إيران كونترا 1985 - 1986، وصولاً إلى أيام الصفقة الكبرى السرية التي كان يحبك عقدها الدقيقة فريق حسن روحاني، مع وزير خارجية أوباما، كيري... كان بدء الغزل الأوبامي الخامنئي بالسنة الأولى من ولاية أوباما، قبيل الربيع العربي القائظ.
الأمر أقدم من ذلك، من البدايات تماماً، وقد قرأت هذا الأيام مقالة ضافية للباحث السعودي كامل الخطّي نشرها بصحيفة عكاظ، رصد فيها الاتصالات والتفاهمات التي أجراها مؤسس النظام الخميني، في منفاه الفرنسي مع الأميركان.
جاء بالمقالة الإشارة إلى التقرير الذي أعده الصحافي الإيراني كامبيز فتاحي، مصحوباً بعدد من الصحافيين الاستقصائيين (ايلور كيت براون، وجيسيكا لوسنهوب، وبيل مكينا، ومات موريسون، لصالح قسم الخدمة الفارسية في هيئة الإذاعة البريطانية (نُشرت النسخة الإنجليزية من التقرير 3 يونيو/ حزيران 2016)، وفيه رصد معدو التقرير الاتصالات التي قام بها الخميني مع إدارة الرئيس كارتر على مدى الأسبوعين اللذين سبقا عودة الخميني إلى طهران، ومن ذلك تفاهمات الدكتور إبراهيم يزدي من المنفى الخميني في ضاحية نوفل لوشاتو الباريسية مع وارن زيمرمان المستشار السياسي للسفارة الأميركية بباريس.
كما يكشف التقرير أن الخميني أكد للأميركيين أنه سيعمل على حماية مصالحهم، وسيحرص على سلامة المواطنين الأميركيين الموجودين في الأراضي الإيرانية، وتعهد الخميني للأميركيين بأنه لن يعمل على تصدير الثورة، ولن يعادي الأنظمة العربية المجاورة مثل السعودية والعراق والكويت. كما قام الخميني بتطمين الأميركيين فيما يخص تدفق الإمدادات النفطية، ولعب ورقة سياسية في غاية الحيوية وفي الوقت المناسب؛ إذ أقنع واشنطن بضرورة استمرار نفوذهم في إيران، وذلك لحفظ إيران بعيداً عن متناول النفوذ السوفياتي أو حتى النفوذ البريطاني المحتمل.
هذا باللحظة الأولى «العذراء» لبداية الحكاية الخمينية، والرجل وأتباعه كانوا لا يجدون غضاضة بالتواصل والتفاهم مع واشنطن، قبل أن يجدّ في الأمور أمور.
جرى ذلك كله بسبب «سذاجة» رجل في البيت الأبيض اسمه كارتر، وأتى بعد عقود رجل اسمه أوباما مضى في سنته، لكن بقدر أقل من السذاجة وأكثر من المكر.